طلال سلمان

على الطريق إلى السلاح أيها الوحدويون من أجل الحرب على الحرب

طيبة وتيرة الإنجاز التي أطل بها “العهد الجديد” على اللبنانيين المتشوقين إلى القرار، أي قرار، وإلى الإنجاز، أي إنجاز، على طريق الخروج من حلقة الحرب الجهنمية.
وبغض النظر عن أي ملاحظة أو تحفظ، في الشكل أو في الأساس،فإن حجم الإنجاز خلال اليومين الماضيين، “قياسي”، وهو شهادة لجميع من شارك فيه، المجلس النيابي بداية، فالرئيس الياس الهراوي، فالرئيس سليم الحص، ومن ثم “حكومة الوفاق الوطني” بصيغتها الأولية.
الانتخاب، التكليف، التشكيل، البيان الوزاري، الثقة وجلسة العمل الأولى، ثم الإعداد لجلسة العمل الثانية وقراراتها التي ستنقل البلاد من حال إلى حال، بتأكيد عودة القرار الشرعي إلى مصدره الطبيعي: الدولة ومؤسساتها الشرعية،رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء ومجلس النواب.
ولقد حقق هذا الإنجاز، بوتيرته السريعة وصيغته الحاسمة، الهدف الأول المرجو، وهو استعادة زمام المبادرة وتحول “الوحدويين” من الموقع الدفاعي الضعيف إلى الهجوم بقوة الشرعية وحقها المطلق في توكيد ذاتها.
وعلى الفور تبدى الارتباك في جبهة الانفصاليين ، ولم يجد جنرال التقسيم ما يقوله غير تحويل نفسه من “دولة الرئيس” إلى “رئيس الدولة”… أي إنه هرب إلى الأمام، فبعد انتحال الصفة والتحصن وراء شرعية شكلية، جاءته في ربع الساعة الأخير من ليل أمين الجميل، ها هو يجاهر بخروجه على الشرعية وعلى الدولة التي ما زال يلبس بذلتها ويأخذ مرتبه من خزينتها، ويستمد حق الأمرة على عسكره من “موقعه” الشاغر – رسمياً – كقائد للجيش.
وحسناً فعل الرئيس الياس الهراوي بطرح ما هو مضمر على الناس علناً، وبغير تمويه، ففي وهج دم رينيه معوض، المسفوك غيلة وظلماً، لا عذر لأي لبناني إن هو لم ير الوضع على حقيقته خطورة، ولا عذر لأي مسؤول تحصنه الشرعية وتمده بأسباب القوة وأهلية الحكم، إن هو لم يصارح الناس بما ينتظرهم مهما كان هذا المنتظر صعباً وقاسياً.
لقد أنار دم رينيه معوض البصر والبصائر، حتى في صفوف أولئك الذين أعماهم التعصب والوتر واليأس، فدفعهم في اتجاه الانتحار الجماعي.
كذلك فقد مكن دم رينيه معوض “الرئيس الثاني للعهد الأول” في الجمهورية الجديدة أن يجتاز خط الخوف ووفر له سلاحاً يكفل النصر المؤزر في هجومه على الحرب وجنرال التقسيم الذي لا يعيش إلا على خوف الآخرين من الحرب ومن شبح التقسيم.
ومؤسف إن الحرب لا جواب عليها إلا الحرب، والمهم أن لا تترك زمام المباداة فيها لخصمك.
ومؤسف أيضاً إن شبح التقسيم لا تطرده الصلوات والمواعظ والتصريحات المكررة والمعادة والممجوجة، بل لا بد من مقاومته بحد السيف، والمهم أن لا تترك نفسك أعزل بحجة إنك تكره العنف.
لا بد مما ليس منه بد، وما تضطر إلى رهنة فبيعه أولى، وما يتوجب عليك أن تمضيه، فإن تقضيه أولى، حسب بعض أمثال الفلاحين البقاعيين ممن يعرفهم جيداً الرئيس الياس الهراوي.
لا بد، إذن فإلى القرار، إلى الهجوم، ولتثبيت الدولة والشرعية بمؤسساتها كافة إنها ليست دائرة قرطاسية، تسطر مراسيم على ورق، ثم تمتنع عن الحركة بذريعة الحرص على أرواح المواطنين والسلامة العامة.
فالتقسيم هو الذي يهدد أرواح المواطنين والسلامة العامة والأرزاق والممتلكات ومعها الدولة ومصير البلاد ومستقبل الأجيال الحاضرة والآتية…
بل إن التقسيم قد أودى فعلاً بمئات المواطنين ودمر حياة مئات الألوف منهم ووضع وجود البلاد ذاته على كف عفريت.
وبهذا المعنى فإن مقاومة التقسيم هي سياسة حصر الأضرار باجتثاث مكمن الخطر وفرط جبهته التي تعاظمت في ظل غياب المواجهة الفعالة، والاطمئنان على أن “الانفصال هو طريق السلام، والوحدة هي طريق الموت”، بشهادة الشهيدين رشيد كرامي ورينيه معوض، والآلاف ممن سبقوهما أو لحقوا بهما، وبكيناهم ثم رثيناهم أفخم الرثاء، ونحن نشيعهم إلى مثواهم الأخير.
ولقد انقلبت الآية، الآن، فبدلاً من تباعد الحلفاء ورفاق السلاح من الوحدويين، ها هم يتقاربون ويصيغون معاً ميثاقهم، انطلاقاً من اتفاق الطائف، ثم يوفرون العمود الفقري الذي لا غنى عنه في أبسط أشكال المواجهة كما في أعظمها: مجلس الوزراء بما هو مصدر السلطة الشرعية وأداة الحكم، وإطار الوفاق الوطني العتيد.
… وبدلاً من ترك القرار في يد الحائرين أو المحرجين أو المربكين أو المتعذر عليهم المشاركةن تولت الجهة الشرعية استصدار القرار مبقية لهم المقعد والدور وحق الالتحاق في الوقت الذي يرونه مناسباً ضمن ظروفهم المعروفة.
فليأخذ جورج سعادة (ومعه ميشال ساسين) الوقت الكافي، فمكانهما محفوظ، ساعة يقدران على الانضمام إلى المسيرة التي انطلقت بمشاركتهما المباشرة، بل وبدور متميز لهما فيها، في الطائف.
أما أن تبقى الدولة بكل مؤسساتها الشرعية مكتوفة الأيدي تنتظر قرار سعادة المرتهنة حركته لقوة التأثير داخل حزبه الكتائب، وأبرزها “القوات اللبنانية” وهي مرتهنة بدورها بخوفها الساحق من صدام محتمل مع جنرال التقسيم، فهذا معناه أن يبقى لبنان كله (واساساً العهد الجديد) ، رهينة التقسيميين بأشكالهم كافة، وبطبعاتهم المنقحة والمزينة والذين يرى الجنرال – بحق – إنه القائد الفعلي لهم.
المهم إن عجلة الحكم بدأت تتحرك.. والحركة بركة، في أي حال.
وقد لا يكون الجنرال ندراً من ورق، وقد لا تكون الظاهرة السائدة في “الشرقية” بيتاً من قش يتهاوى بنفخة واحدة، لكن المؤكد إن الشرعية في نظر الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، وعلى اختلاف أديانهم وطوائفهم وأهوائهم السياسية، هي الأقوى.
والمؤكد إن الدولة هي لعقد رجاء هذه الأكثرية الساحقة، بمن فيها أولئك الذين أخذتهم الغريزة المهيجة وفورة الغيظ والحقد وزهو الانتصار الوهمي في “حرب لم تقع” إلى خندق جنرال التقسيم.
والمؤكد إن قوة جذب هذه الدولة، وقد أكدت حضورها، لا تقاوم لا بالمدافع ولا بالدنانير ولا بعنتريات الجنرال السعقلي.
والمفارقة الآن إن رموز المعارضة السياسية، تاريخياً وتقليدياً، لنظام الحكم، يصلون في تأكيد ولائهم للدولة إلى حد إظهار الاستعداد للقتال من أجل استعادتها واستيلادها من جديد، في حين يشهر أبناء الدولة وأهل نظامها السلاح ضدها، وهم من كان يقاتل المعارضة ويحرمها أبسط حقوقها في “نعم” النظام الديموقراطي ، والمشاركة في الحكم وخيراته بحجة إنها معادية للدول والشرعية!
وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن وليد جنبلاط، ومعه أحزاب اليسار بتنوعها وتنويعاتها، يقف مع الدولة، في حين يسحب العماد عون “بعض” الجيش وبعض الجمهور للقتال ضد الدولة والشرعية ومؤسساتها، وفي طليعتها الجيش كأداة توحيد وحماية للدولة وقدرتها على بسط سيادتها على التراب الوطني اللبناني.
وإلى مزيد من الحركة التي فيها البركة.
وبعد الجيش، بل معه، لا بد من الالتفات إلى الخارجية لتنظيف واجهة الحكم ووجهه ولسانه مع دول العالم.. لا بد من أبعاد التقسيميين من الشبابيين، في أقل تعديل، بحيث تكون الدولة صورة واحدة ولغة واحدة.
وإذا كان بعض السفراء والموظفين، كباراً وصغاراً، يؤمنون بالتقسيم ويعملون له، ويبشرون به، فلا أقل من أن يخرجوا من دولة الوحدة التي صنعتهم اسماً ومكانة ودوراً، ثم ارتدوا عليها، بالتعصب أو بالغرض الرخيص..
وجدول الأعمال حافل بالخطير والمثير، لكن الإنجاز – إذا ما استمر بوتيرته الطيبة خلال اليومين الماضيين – سيوفر الكثير من الوقت وأكثر من الدم وأرواح المواطنين.
فأن تذهب إلى الحرب على الحرب وأنت بكامل استعدادك أفضل من أن تدهمك الحرب وأنت غافل أو حائر أو متردد أو خائف، فتخسرها وأنت لم تدخلها أصلاً.
والوحدة لا يحميها إلا الوحدويون،
ومرة أخرى: إلى السلاح أيها الوحدويون.. لحماية أرواحكم، أبنائكم، مستقبلكم، وجمهوريتكم الجديدة.

Exit mobile version