طلال سلمان

على الطريق إلى أحزان الوالد..

يا أبا باسل،
بكماء هي كلمات العزية، كيف تعزي الأمل بالأمل؟! كيف يمكن التعويض عن الوعد والأمنية والحلم الراحل في لحظة انبلاجه ضياء بهياً؟!
ونبيلة هي الأحزان نبل هذه الأمة التي تحتضنك الآن كما لم تفعل في كل تاريخها معك. هي الآن في موقع “الوالد” أيها “الوالد” الممتحن في أغلى الناس. هي الآن شريكتك في الفجيعة،والمتطلعة إليك بأن تعوض بشخصك بعض أبطال تاريخها، فبديهي أن تطالبك أيضاً بأن تعوض نفسك بنفسك.
للشدائد حافظ الأسد، للملمات الجسام، لأحزان الأمة… ولذا اندفع الناس، كل الناس في كل الأمكنة، كمن استنفرهم حداء الشجن لمواجهة قاسية مع القدس، ليحملوا عنه حزنه الخاص.
هم للحزن، وأنت للعمل وهم يرون في حزنك مصدراً جديداً للصمود، فلست بقادر على تعويضه إلا عبر الفرح العام، لا شيء في “الخاص” يعوض. لقد بات “العام” حميماً جداً، معك وحدك. لقد التقاك فشد على يدك، أمس، كل مواطن، ثم وقف إلى جانبك وينوب عنك في تقبل التعازي.
قساة هم الناس على من يسلمون بقيادته. بقدر ما يعطونه يطلبون منه ويطالبونه.
والقائد لا يبكي، لا يحزن، لا يضعف. هو المطالب دائماً بأن يمسح دموع الضعفاء والحزانة والثكالى والأيامى، وهو المطالب بأن يعوض الفقيد والشهيد والحلم الصريع.
ويا أبا باسل،
بغير تهيب وبغير مجاملة فتح الناس أبوابهم وقلوبهم فأسكنوا باسل وجدانهم ليحفظوا له الصورة الابهى.
إنه الآن في البيوت كلها، في القلوب كلها. لكأنه “سافر” إليهم جميعاً. لكأنما اختار أن يجيئهم فيجاجلسهم ويحادثهم فرداً فرداً وهو على أهبة الرحيل، فكان لقاؤه اليتيم وداعاً. ولقد أحبوه في لحظة حباً يغطي أعماراً. كانوا يسمعون عنه، أو يلمحونه في لحظات معدودة وفي مناسبات محددة، هي لحظات إثبات الجدارة، جدارة هذا الجيل.
ولقد أحبوه لذاته. هو، باسل، لأنه نجح في الوصول بشخصه هو، بجدارته هو، وإلى حيث لا يمكن أن يعامله أحد بوصفه “ابن الرئيس”.
كان باسل الأسد. عاش باسل الأسد، ومات باسل الأسد.
وبقدر ما استطاع باسل الأسد، المهندس، المظلي، الفارس، الجندي، الشغوف بالتطور العلمي والمتحرق شوقاً إلى مشاركة عربية جادة في الغد الإنساني، فلقد كان يزيد من رصيد الوالد – الرئيس. وها هي حصيلة العمر الأقصر من حلم إضافة سخية . لقد أضاف إلى الرصيد ولم يسحب منه لكي يعيش عليه.
قصيرة هي الرحلة، صاعب هو الوداع ، يا زين الشباب،
ولقد ظلت المواعيد معلقة ولما يأت اليوم الموعود.
هو الفراغ، إذن، مع إنك كنت تنتظر أن يأتي زمن آخر يعوض ذلك الذي أمضاه “الرئيس” على حساب “الوالد” فلم تكن تحظى منه، أنت ووالدتك الجليلة وإخوانك، بالوقت الكافي. كان وقته، مثل عقله، مثل قلبه للأمة.
وبالتأكيد فإن “الوالد” كان ينتظر أيضاً أن تسمح له مهمات “الرئيس” بأن يعطيك ما يحب وما يعرف إنك تريد أن تأخذه منه وعنه.
يا أبا باسل
لكنأنها نبوءة موجعة تلك الكلمات التي قالها باسل الأسد لذلك الصحافي البريطاني الذي أعد عنك كتابه الممتاز، قبل ثلاث عشرة سنة، وقد كان في التاسعة عشرة من عمره: “لقد نصحني بعضهم بألا أخرج فأتجول بسبب عمليات القتل التي كان يلجأ إليها البعض… ولكنني شعرت بأنني أستطيع الدفاع عن نفسي. ولقد كنا نحن، أولاد حافظ الأسد، مقتنعين بأنه لو حدث شيء لواحد منا فلن يكون له أي تأثير سياسي على والدنا…”.
هو أيضاً كان يعتبر أن ليس للقائد الحق في ترف الحزن الشخصي.
وحزنك قد انتثر على الأمة جميعاً.
حفظ الله الأمة، وحفظك لها.
وباسل في لبنان “أرزة” محفورة في الوجدان. لقد أراد أن يساعد في عودته أخضر، وسيعود بقلب أخضر، قلب باسل الأسد.

Exit mobile version