طلال سلمان

على الطريق إعلان دولي بسقوط الإنسان…

ليس الهدف معمر القذافي بل “العربي”، وليست ليبيا هي الغاية ولكنها “العبرة” لمن يعتبر على امتداد العوالم العربية – الإسلامية – الآسيوية – الأفرقية – الأميركية اللاتينية.
معمر القذافي محاكم ومحكوم بالإعدام، من قبل السلطات الأميركية، منذ زمن بعيد. من قبل بوش وحربه المظفرة ضد العرب قبل عام ، ومن قبل ريغان وحملاته المنظمة على العرب بامتداد عهديه.
وليبيا على لاقائمة الأميركية (والغربية) السوداء منذ أن طمحت قيادتها إلى تحقيق حلم الوحدة (عربياً)، وإلى التصدي لقوى الهيمنة والإمبريالية والاستعمار الجديد (دولياً).
العقاب موجه إلى النموذج أكثر منه إلى الشخص، وإلى الحلم أكثر منه إلى الدور المباشر… فواشنطن تعرف جيداً كم هي محدودة القدرات الليبية وكم إن تأثير معمر القذافي م عنوي وليس مادياً.
من هنا فإن قرار مجلس الأمن الدولي يختزن دلالات مثيرة، أبرزها التالية:
1 – إنه إعلان عالمي بانتهاء عصر الثوار والثورات.
أمس فقط أعلنت وفاة المعسكر الاشتراكي والعالم الإسلامي وحركات التحرر في مختلف أرجاء العالم الثالث.
فقرار الإدانة يحمل تواقيع “الثوار القدامى”، الاتحاد (السوفياتي) الروسي والصين الشعبية، الذين ما كان ليكون لهم وجود في مجلس الأمن تحديداً لولا انتفاضهم على النظام الدولي القديم وتهديمه. وهم قد ألغوه، أو أنهم عدلوه مرتين: في أعقاب الحرب العالمية الأولى مرة، ثم بعد الحرب العالمية الثانية (قيام المنظومة الاشتراكية في دول أوروبا الشرقية بداية وتعاظمها بالثورة الاشتراكية في الصين، مع امتداداتها في بعض اتحاد آسيا – كوريا – انتهاء بفيتنام) الخ.
إنه قرار يحول آخر من تبقى من الثوار إلى إرهابيين، يستوي في ذلك الإيراني والبوليفي، الكوبي والليبي، الفلسطيني والإيرلندي، البحريني والإسباني، الكورسيكي والمارتينيكي، من غير أن ننسى اللبناني الذي يمكن أن يلخص ويختزن أولئك جميعاً.
كان الفتية الغر يتصدون بلحم صدورهم لقوى الهيمنة والطغيان والقهر الأجنبية، فصارت تطاردهم في أربع رياح الأرض.
لقد تحول الكاوبوي الأميركي المطلوب للعدالة إلى “شريف” وإلى “قاض” وقيم على العدالة، أحكامه غير قابلة للنقض، والشرعية الدولية هي جهازه البوليسي المكلف بالتنفيذ.
2 – القرار هو إعلان دولي بإلغاء القوانين جميعاً، المحلي منها والدولي، وانتهاء إمكانات التقاضي والتحكيم،
فمن ملك القوة يستطيع أن يتهم وأن يحقق وأن يصدر الحكم وأن ينفذه، من دون أن تكون له حاجة إلى شهود الحال، ومن دون أن يمنح المتهم فرصة للدفاع عن نفسه مباشرة أو بواسطة محام، ومن دون حاجة إلى مداولة أو مذاكرة أو مشاورات، وأخيراً من دون أن تكون ثمة فرصة للطعن ونقض الحكم، ناهيك بالعفو!
3 – إنه إعلان دولي بانتهاء المنظمات الدولية كمرجعية، أو حتى كحائط مبكى للشعوب المضطهدة، صارت “الكثرة” في الأصوات عبئاً على أصحابها الضعفاء وليست ميزة لهم أو شبهة قوة، سقط العدد أو الكم أمام “النوع” الأكسترا!
4 – وأخيراً فالقرار تكريس دولي للتمييز العنصري المعلن ضد العرب.
… وإذا كان اليهود هم شعب الله المختار فالعرب (أعداؤهم!) هم الأبالسة والشياطين، وهم المجرمون بالنوايا، وهم المعاقبون بلا محاكمة، وهم المدانون والمستحقون لعقوبة الإعدام احتقاراً أو ذبحاً أو نسفاً، بلا مناقشة. هم المنبوذون والمستبعدون والملغيون. جرائمهم في أسمائهم وفي لون بشرتهم، في دينهم وأحلامهم، في موقع بلادهم وخيرات أرضهم و… سمعة حكامهم!
وأخطر ما في هذا الحكم أنه – كالحرب ضد العرب قبل عام – يحل تواقيع بعض العرب، على طريقة “قاتل نفسه يقرئك السلام”.
أترى عاد العالم القديم بنظام جديده أن واشنطن وحدها هي الدين والدنيا والآخرة والديان؟!
… وماذا يبقى من الإنسان إذا أعدمت أحلامه من قبل أن يولد، ثم عوقب عليها بعد الولادة؟!

Exit mobile version