طلال سلمان

على الطريق إسرائيل والسلاطين – الطابات!

غبي أو متآمر ذلك الذي يفترض أن طبيعة إسرائيل ستتبدل بمجرد توقيعه صلحاً منفرداً معها.
حتى لو وقع آخر عربي في موريتانيا أو في الربع الخالي، وبالشروط الإسرائيلية، فإن طبيعة الكيان الصهيوني وتطلعات المشروع الصهيوني لن تتبدل إلا إلى الأقسى والأسوأ،
ولماذا لا تذهب إسرائيل في مطامعها إلى الحد الأقصى طالما أن الانهيارات العربية تغريها بالاندفاع قدماً، وطالما أن الظرف الدولي مساعد، وطالما أن الاعتراض الجدي الوحيد الذي قد تفرض عليها مواجهته إنما يجيء من الشريك الكامل والحليف الاستراتيجي والراعي الدائم: الولايات المتحدة الأميركية؟!
في زمن الهزيمة، وفي ظل مناخها المرضي، تتقطع أواصر الأخوة ويتعطل العقل وتتهاوى المصالح المشتركة تحت ضغط منطق: يا روحي ما بعدك روح، وأنا… ومن بعدي الطوفان، ويا رب راسي… الخ.
وإسرائيل أمهر من يلعب برؤوس السلاطين العرب المحكومين بعقدة الذعر والمسيرين بقوة الغريزة، غريزة استنقاذ النفس ولو على حساب أقدس المقدسات وأعز القيم كالتراب الوطني والانتماء القومي والمصالح العليا للأمة،
ورؤوس السلاطين المذعورين كالفئران في محضر قطة، خفيفة جداً لأنها فارغة إلا من هم الحفاظ على السلامة الشخصية، تصلح بديلاً من طابات الغولف، وبإمكان أي حامل عصا أن يدفعها وفق رغبته ومصلحته في أي اتجاه حتى يدخلها الحفرة لترقد بسلام راضية مرضية…
على هذه الصفحة لوحة ناطقة بحركة اللاعب اليتيم: الإسرائيلي، والرؤوس –الطابات العربية العديدة التي يلهو بها مستقلاً خوف كل منها من الآخر وخوف الجميع من الزمن والتأثيرات القاتلة لأي تأخير محتمل، كما في تقديره.
في يوم واحد سربت جهات رسمية إسرائيلية مجموعة أخبار تكفي لإشعال أكثر من فتنة، في ما بين العرب، ولإلزام كل طرف بأن يسارع فيسبق إلى التنازل حتى يشتري الأمان لنفسه ولو بدماء أخيه وأخوته جميعاً.
لقد روّجت إسرائيل أخباراً عن اعتزام النظام الأردني توقيع معاهدة سلام معها خلال أيام، بينما مفاوضاتها مع الطرف الفلسطيني تتعثر، وفق خطة مرسومة، لعلها تدفع الفلسطينيين إلى مزيد من التفريط حتى “لا يأخذها الملك منهم”.
والتوقيت لافت: فهي “تكشف” سر لقاء جديد بين الملك الأردني وشيمون بيريز، وتروج لمعاهدة السلام معه عشية الانتخابات النيابية الأردنية التي ستجري خلال ساعات وسط أجواء من الريب والشكوك المتبادلة بين “الأردنيين” و”الفلسطينيين” في المملكة الثنائية في نسبها القبلي.
في الوقت نفسه تطرح، مجدداً، كذبتها السمجة المكرورة عن لقاءات سرية مع مسؤولين سوريين، لتوفر مزيداً من الأعذار لتنازلات أردنية وفلسطينية جديدة، ولتعزز ذخيرة المشككين في لبنان بوحدة المصالح (حتى لا نقول بوحدة المصير) اللبنانية – السورية لاسيما والمفاوضات مع العدو الإسرائيلي معلقة حتى إشعار آخر، ومشاعر القلق تعصف بالجميع، خصوصاً وإن الراعي الأميركي قد وسع هامش المناورة أمام الإسرائيلي بتبنيه منطق رابين الداعي إلى تأجيل كل ما تبقى في انتظار “إنجاح” اتفاق غزة – أريحا.
هذا بينما تواصل إسرائيل محاولاتها الدائمة تسخير الدور المصري لخدمة أغراضها واستخدام العربي كأداة ضغط على العربي الآخر لحسابها، بحيث يخرج الطرفان مثخنيم بالجراح، فتقترح مفاوضات سرية بين إسرائيل والفلسطينيين على مجرد العودة للتفاوض حول بعض الأمور الإجرائية البسيطة، مما يجعل المفاوضات بذاتها هدفاً وأهم من موضوعها!
إسرائيل هي إسرائيل لكن العرب ليسوا العرب، بل هم مجموعة أنظمة وسلاطين يتسابقون إلى نيل الرضا ويطلبون العفو ويجهرون بالتوبة والندم على ما تقدم من ذنوبهم سعياً إلى المغفرة، وإلى جهنم العرب والعروبة والأمة ومستقبلها والمصير!
إسرائيل واحدة والعرب أشتات، يتنافرون ويتباعدون فيزدادون ضعفاً على ضعف ويسهل تصيدهم الواحد بعد الآخر، بل ويسهل استخدام الواحد منهم كالحجل الأسير فخاً لاستدراج الآخرين إلى قبضة الصياد.
صار النقاش في التفاصيل، وفي محاولة تحجيم الخسائر العامة والخاصة، ليس إلا!
لكأنما المبدأ خارج النقاش ومسلم به! وأقصى الطموح ألا يؤذي كل طرف عربي نفسه نكاية بأخيه، أو استباقاً لطعنة غدر تأتيه من أخيه، ودائماً بعذر: يا روحي ما بعدك روح، وأنا ومن بعدي الطوفان!
لكن الطوفان سيأخذ الجميع، في النهاية.
وبعد الطوفان سيجيء الندم، ولكن ساعة لا ينفع الندم!
والتاريخ لا يبدأ بمرسوم ملكي ولا ينتهي بتوقيع ملكي.
وإسرائيل قوية جداً، لكن أقوى أسلحتها فتكاً هو هذا الوضع العربي المتآكل والمتهالك والذي لم تعد ثمة قدرة على ضبط حركته وحفظ الحد الأدنى من التوازن فيه.
والضعيف أمام “إسرائيل الأميركية” لن يتحول إلى جبار في مواجهة “أميركا الإسرائيلية”، بل هو سيدفع الثمن مضاعفاً، لأن كل من هذين الطرفين الحليفين سيستثمر التنازل لمصلحة الأول من أجل الحصول على تنازل أكبر له، وهكذا ندفع وندفع وندفع حتى لا يتبقى لنا ما يستحق التفاوض من أجله، وعندها تتولى إسرائيل بذاتها خلع هؤلاء السلاطين الذين لم يعرفوا كيف يحاربون ولا عرفوا كيف يفاوضون ليسالموا.
فالتنازلات لا تحمي مقدمها، بل هي تجعل للخطر مصدراً إضافياً بعد شعبه في الداخل هو عدوه في الخارج.
والتنازل، أو التفريط، أعظم كلفة من النضال، على الأمة كما على “بطله” بالذات، وهذا درس السادات شاهد وعبرة لمن يعتبر.

Exit mobile version