طلال سلمان

على الطريق إرهاب تركي لسلام إسرائيلي؟!

لولا شيء من الفراسة والتدقيق لالتبس الأمر على القارئ فخلط بين كلام القادة الإسرائيليين عن الانتفاضة والمجاهدين الفلسطينيين داخل أرضهم المحتلة، وبين كلام القادة الأتراك عن الثوار الأكراد الذين لا يطلبون أكثر من الاعتراف بهم بشراً وأكراداً ولا أتراكاً، ولهم حقوقهم في “أرضهم” وداخل “دولتهم” التركية.
ولولا بعض الاختلاف في التفاصيل لالتبس الأمر على القارئ (أو السامع) فافترض أن الغارة الجوية التي شاركت فيها خمسون طائرة حربية وست مروحيات أميركية يقودها طيارون أتراك على الأكراد في شمالي العراق، أمس، هي إحدى الغارات “الروتينية” التي تشنها الطائرات الحربية الأميركية بقيادة طيارين إسرائيليين على مقاومي الاحتلال في جنوبي لبنان وصولاً إلى البقاع الغربي وانتهاء بهضاب حارة الناعمة على مدخل بيروت.
والمرأة – المعجزة التي تتولى رئاسة الحكومة التركية لتنجز ما قصر عنه الجنرالات ودهاقنة السياسة في تركيا – أتاتورك، تكتشف الحل للمعضلة التي تعاني منها حكومتها والتي يصفها رئيس الكيان الإسرائيلي حاييم وايزمن “بأنها ليست سهلة”، في الاندفاع نحو “تعاون استراتيجي مع إسرائيل ضد الإرهاب”.
أضافت طانسو تشيلر، وهي بالكاد فرغت من وداع رئيس حكومة لبنان الذي عاد للقائها مرة ثانية خلال شهر واحد، أنها تريد بذلك التعاون الاستراتيجي مع إسرائيل مزدوجاً.
واستندت تشيلر إلى “الخبرة التي اكتسبتها إسرائيل” لتستنتج أن ذلك التعاون قد يكون مفيداً “لاقتلاع الإرهاب”.
ثم انعطفت لتكرر استخدام الأسطوانة المشروطة القديمة متهمة سوريا “بدعم الإرهاب في تركيا”.
أي أن القيادتين الأسرائيلية والتركية قد اتفقتا على تحديد أن “الإرهاب” عربي بأصله وفصله، بمنطلقه وملجأه، بقوى دعمه وقواعده ومراكز تموينه.
وإذا كانت إسرائيل، بلسان رئيسها وايزمن، ترغب في تمتين روابطها السياسية والاقتصادية والأمنية بتركيا، فلذلك سبب واضح هو أن “تركيا هي الدولة المسلمة الوحيدة التي اعترفت بإسرائيل منذ تأسيسها”.
بالمقابل فإن تركيا المسلمة، وبلسان المرأة – الحديدية التي تحكمها الآن، “مهتمة بأي تعاون ضد مختلف المجموعات الإرهابية، وسواء أكان “حزب الله” أم أية مجموعة أخرى.
إنه تعاون من أجل السلام الآتي، بل لعله عنوان بارز ونافر للسلام الآتي.
والخارج على السلام التركي – الإسرائيلي “إرهابي”، والطائرة الحربية الأميركية جاهزة لتأديبه وهي بعيدة المدى وعابرة للحدود، تدليلاً على أن “سيف السلطنة” ما زال طويلاً!
الطفل الفلسطيني في غزة أو في الخليل أو في رام الله أو في القدس إرهابي، تماماً مثله مثل الفتى المقاوم للاحتلال في جنوب لبنان، مثله مثل الشاب الكردي المقاوم للاضطهاد العرقي في جنوبي شرقي تركيا.
والطيران الحربي التركي يضرب في شمالي العراق، غير بعيد عن الحدود السورية، كما يضرب الطيران الحربي الإسرائيلي في جنوب لبنان أو في بقاعه غير بعيد عن العاصمة السورية نفسها.
على أن القصف بالطيران وإبادة القرى والمزارع لا يعتبر إرهاباً، ومطاردة الفتية المطالبين بحقوق الإنسان وقنصهم بصواريخ المروحيات لا يمكن تصنيفه إرهاباً.
أما أن يهتف الأطفال بالحرية لفلسطين ويرفعون أعلامها فوق بيوتهم،
وأما أن يطلب الأكراد حق التكلم بلغتهم وحق الاعتراف بأنهم أكراد في تركيا وليسوا “أتراك الجبال” ولهم الحق في أن يكونوا أكراداً أتراكاً ومواطنين طبيعيين داخل بلادهم التركية،
أما أن تهرب إلى سوريا، وامتداداً إلى لبنان، بعض الأسر الكردية المهددة بالإبادة الجماعية، وأن تطلب الملجأ الآمن بعيداً عن بطش “السلطانة”،
أما ذلك كله فهو الإرهاب بعينه، ولا بد من اقتلاعه بتعاون تفضله تشيلر مزدوجاً بين تركيا وإسرائيل.
والحكم في تركيا يخادع شعبه، تماماً كما تفعل السلطة في الكيان الإسرائيلي، فيصنف المقاومة للاحتلال أو للاضطهاد القومي أو لكليهما معاً وكأنها خروج فئوي على “الإجماع الوطني”… وهكذا تتحول الانتفاضة الفلسطينية المجيدة إلى “حزب أو مجموعة من الإرهابيين”، والمقاومة الوطنية – الإسلامية للاحتلال الإسرائيلي في لبنان إلى “حزب أو مجموعة من الإرهابيين”، وكذلك الأمر بالنسبة لأكراد تركيا الذين يصيرون مجرد مجموعات إرهابية بلا هوية وبلا هدف غير إزعاج الحاكمين سعيداً في أنقرة.
وما يقوله الحكم التركي صحيح تماماً بدليل أن مجموع عدد القتلى حتى الزيارة المباركة لحاييم وايزمن لم يزد عن عشرة آلاف وتسعماية وستة وثمانين “إرهابياً”!
إنه تعاون من أجل السلام الآتي…
وهذه هي المقدمة فحسب.
وغداً قد تستدعي حماية ذلك السلام أن يطبق فكا الكماشة على كل مراكز “الإرهاب” وقواعده الأمانية والخلفية والبين بين، وجميعها عربية أرضاً وشعباً وحكومات، حتى لو احتمى بها أو لجأ إلى بعض جهاتها “أكراد” يطلبون الاعتراف بهم كبشر أولاً، ثم كمواطنين أتراك يرطنون بالكردية دون أن ينتقص ذلك من إنسانيتهم ومن حقوقهم السياسية في بلادهم “التركية”.
الكماشة جاهزة، إذن، في انتظار السلام الآتي من واشنطن.
ولقد يكون “السلام” غداً ذروة الإرهاب المزدوج، التركي – الإسرايئلي، المعزز بالسيف الأميركي العابر للقارات!

Exit mobile version