طلال سلمان

على الطريق إخراج من؟

ليست القضية إخراج رشيد الصلح من سراي الحكم.
القضية هي: إخراج لبنان، لبنان النظام والاقطاعيات السياسية والمؤسسات الطائفية، من “المطهر الفلسطيني”.
ويبدو أن المتفعين بهذا النظام وإقطاعياته قد وصلوا – بالرعب من التغيير – إلى قناعة يائسة ملخصها: إذا عاشت فلسطين، الثورة والقضية ورمز التحرر، في لبنان ونمت فيه مات “لبنانهم” مخلياً الساحة للبنان الجديد، لبنان الحلم: الوطن، المقاتل، السيد، الحر، العزيز، المعادي للاستعمار والصهيونية وإسرائيل، الميسر لأبنائه – وبالتساوي – فرصة العيش الكريم دون أن يكون ذلك على حساب انتمائهم القومي وإنسانيتهم وشرفهم الوطني.
وهكذا قرروا أن يقتلوا واحداً من اثنين ليعيشوا هم: فلسطين – القضية أو لبنان – الوطن.
لكن القضية التي لم تصبح حية إلا بعدما لعلع رصاص التحرير، لم تتأثر كثيراً برصاص الغدر، بل لعلها كسبت من التعاطف والمساندة والدعم والمعاضدة الشعبية ما كانت بأمس الحاجة إليه لمواجهة الظروف الحرجة التي تواجهها عربياً، ودولياً.
كذلك فإن فكرة لبنان الوطن لم تكن في أي يوم أكثر قوة، وأكثر حضوراً، وأشد تأثيراً على الحكم والنظام والمنتفعين به مما هي اليوم… والرصاص الذي يطلق عليها بهدف قتلها لا يفعل أكثر من تصليب عودها وزيادة مناعتها وإكسابها جمهورها الطبيعي العريض الذي ينتظم الأكثرية الساحقة من أبناء لبنان: البسطاء، الفقراء، الكادحين ، المشتاقين إلى انتماء حقيقي وإلى قضية حقيقية غير أوهام العالمية “وطرطشة الدنيا علم”!
من هنا تكتسب قضية بقاء الحكومة وعدم سقوطها برصاص الكتائب السياسي، أهمية خاصة، وليس لأن انتصار شعب فلسطين أو شعب لبنان في نضاله من أجل طموحاته المشروعة مرتبط بمزاج السادة الوزراء أو الأقطار الأماجد من دهاقنة اللعبة السياسية المحلية في لبنان.
فترحيل رشيد الصلح، اليوم، ليس فقط لا يجوز لأسباب خلقية وسياسية عامة، بل هو غير ممكن عملياً لأنه لا يتناسب مع منطق التوازن القائم في لبنان والذي أكد نفسه أثناء الأحداث الدامية الأخيرة.
فالأكثرية الساحقة الماحقة من اللبنانيين مع لبنان الوطن والتفافها حول حركتها الوطنية أجلى من أن يحتاج إلى تأكيدات…
والأكثرية الساحقة الماحقة من اللبنانيين مع فلسطين القضية وثورتها ومقاتليها… وما تمسح الكتائب بالمقاومة إلا دليل عملي على هذه الحقيقة التي تؤكد ذاتها حتى في داخل الجمهور المناصر للكتائب.
كيف إذن يجوز للطرف الأضعف – شعبياً – أن يفرض على الأكثرية شذوذه، حتى لا نقول جنونه، وسواء اتفجر هذا الشذوذ رصاصاً على أبرياء، أم تعنتاً سياسياً لا يدعمه سند شعبي كاف، كالذي تمارسه الكتائب الآن؟..
إن المآخذ أكثر من أن تحصى على حكومة رشيد الصلح.
لكن من يحق له مؤاخذتها على التقصير ليس الكتائب بالتأكيد.
كذلك فإن حكومة رشيد الصلح مسؤولة عن أخطاء كثيرة ارتكبت، لكنها بالتأكيد ليست مسؤولة تحديداً عن مذبحة عين الرمانة وما جرت إليه، بل الكتائب هي المسؤولة بلا شريك.
وليس منطقياً بأي حال أن تطالب الكتائب كل لبنان، وفلسطين، والعرب بأن يدفعوا ثمن أخطائها وقصور نظرها السياسي.
وإضافة إلى أن هذا ليس منطقياً، فإنه أيضاً غير ممكن للتطبيق عملياً، أو يجب أن يكون كذلك، وبأي ثمن.

Exit mobile version