طلال سلمان

على الطريق أهلاً بسمو الزميل الملكي

تستقبل بيروت اليوم، وبعد انقطاع طويل، واحداً من أبرز أفراد الأسرة الحاكمة السعودية هو الأمير خالد بن سلطان.
ومع أن الأمير خالد ليس في عداد المرشحين لوراثة العرش، بعد عمر طويل لشاغله طويل العمر، غلا أنه يكاد يكون الأشهر من بين أحفاد عبد العزيز، لا ينافسه في ذيوع الصيت على المستوى الكوني سوى أخيه غير الشقيق الأمير بندر بن سلطان، سفير المملكة لدى البيت الأبيض بواشنطن في العهود جميعاً.
ولقد دخل خالد بن سلطان الشهرة من باب الحرب مرة، ومن باب الأعلام مرة ثانية، حتى لقد استحق عن جدارة لقب “أمير السيف والقلم”، فكيف إذاً كان السيف أميركياً والقلم “لبنانياً”، مع إضافات متعددة الجنسيات هنا وهناك؟!
ألم يكن “قائد قائد” جيوش التحالف الدولي المشاركة في “عاصفة الصحراء” التي هبّت على المنطقة العربية “بفضل” غزوة صدام حسين، والتي لم يهدأ “عجاجها” بعد برغم أنها أنجزت “تحرير” الكويت والعراق وسائر أنحاء الجزيرة والخليج أيضاً؟!
قبل أن تبدأ تلك الحرب الأسطورية “مُنح” خالد بن سلطان الترقية الاستثنائية الفريدة في بابها والتي لم يقدر لأي عسكري أن يحصل على مثلها ولو بانقلاب عسكري ناجح، فبات أعلى رتبة من كولن باول وشوارزكوف وسائر الجنرالات من مختلف الجنسيات والخبرات، مراعاة للأصول الملكية وعروبة الحرب أرضاً ونفطاً وضحايا!
وقبل أن تنطلق الرصاصة الأولى، وإلى جانب الترقية، “مُنح” الأمير صفقة أسطورية هي الأخرى، إذ رسا عليه التزام تأمين الطعام والشراب لتلك الجيوش الجرارة، على امتداد عام كامل.
طبعاً أثارت حظوة الأمير حفيظة الأخوة والأشقاء وأبناء العم، أو الأعمام، وما أكثرهم، فأطلقوا سلسلة من الشائعات اختلط فيها الحقد بالحقيقة، ولكنها كانت تستند بمجملها إلى الأرقام،
عدد الجيوش: سبعماية وخمسون ألفاً،
عدد الوجبات: ثلاث وجبات يومياً،
والأسعار استثنائية بسبب ظروف الحرب، والحرص على رفاهية هؤلاء الآتين من أقصى الأرض لتحرير العرب،
ثم هناك أكلاف تأمين الوجبات، ساخنة وباردة إلى “الجبهات” جميعاً، وإلى خط النار في قلب الصحراء والمخاطر،
على هذا، أشاع الحساد أن معدل الربح اليومي لصاحب السمو الملكي كان في حدود أحد عشر /11/ مليون دولار أميركي، خصوصاً وأنه استمر يجني الثمن كاملاً حتى بعد انتهاء تلك “الحرب” (وهي الأسرع في التاريخ) وجلاء تلك الجيوش، إلا من أرادت واشنطن أن يبقى ولأسباب تتصل بتأمين مصالحها ليس إلا..
إذا صدقنا الشائعات، ومصادرها ملكية وبالتالي فمن الصعب اتهامها بالكذب، فإن أرباح صاحب السمو من إطعام المحاربين “لتحرير” الكويت تكون قد بلغت أربعة ألاف وخمسة عشر مليون دولار أميركي /4015) فقط لا غير.
برأس المال هذا، أو قل بنصفه، أو بربعه، دخل الأمير خالد بن سلطان الأعلام، منتدباً نفسه لإكمال واجبه المقدّس في “تحرير” الفكر العربي والصحافة العربية فكان أن تولى مهام الناشر للزميلة “الحياة” من لندن.
وبهذه الصفة يأتينا الأمير – القائد خالد بن سلطان ، وتحتفي به بيروت، بأهل الرأي والفكروالإعلام والسياسة فيها، اليوم.
فبيروت ما بعد الحرب لم تعد أو لا يريدون لها أن تبقى المطبعة والكتاب وصحيفة الصباح والشارع الوطني لحركة التغيير العربية، بل تحولت أو يراد لها أن تتحول إلى مجرد شاعر بلاط أو “كتيب” أو خبير أو فني أو قارئ عادي للجرائد والمنتديات والمهرجانات الأدبية التي يصدرها ويرعاها أصحاب السمو الملكي والأمراء.
فأهلاً بالأمير – الزميل الذي يرد إلينا بضاعتنا، ويتولى بالنيابة عنا إرهاق نفسه من أجل تنوير الجمهورالعربي وترشيد الكتاب والأدباء والشعراء والمفكرين والصحافيين العرب.
لقد صارت الصحافة وسيلة ترفيه ملكية، تدليلاً على الاهتمام السامي بالشعب والرغبة في إراحته من هم التفكير والتعبير والتدبير.
وبقدر ما يسعدنا أن يكون بعض أصحاب السمو قد اختاروا أن ينافسونا في الميدان الوحيد الذي كان حكراً على الفقراء من أصحاب الأفكار والاجتهادات والطموح إلى التغيير، فإنه يهمنا أن يحددوا لنا المهن التي يأنفون من ممارستها حتى ننصرف إليها قانعين.
عاش الأمير – الناشر – القائد – رئيس التحرير،
عاش الرئيس – الزميل (حتى لا ننسى أحد أكبر مالكي الامتيازات الصحافية في لبنان)،
رحم الله الصحافة العربية عموماً وصحافة لبنان على وجه الخصوص.
استدراك : تبادل الأدوار!
في حفل العشاء التكريمي للنادي الثقافي العربي لمناسبة يوبيله الذهبي (خمسين عاماً على تأسيسه)، قال بعض الخبثاء:
-في الماضي كان الأغنياء يدفعون والمفكرون يخطبون، أما في هذا العشاء فإن الفقراء هم الذين دفعوا والأغنياء هم الذين احتلوا منبر الخطابة والتوجيه.
ومع زيارة الأمير خالد بن سلطان يمكن تحوير “التشنيعة”، لتصير:
في الماضي كان الصحافيون وأصحاب الهموم والأفكار هم الذين يكتبون، فيقرأ من بين الحكام والأمراء من استطاع إلى القراءة سبيلاً… أما اليوم وقد احتكر الأمراء ميدان الصحافة فلم يتبق أمام الفقراء غير وظيفة “القراء”، وقراءة “الأفكار” الملكية مهمة صعبة جداً على الأغنياء فكيف بها على الفقراء الذين بالكاد عرفوا سبيلهم إلى التعليم؟!

Exit mobile version