طلال سلمان

على الطريق أنت تحترم نفسك إذن أنت إرهابي!

إذا أحصينا من صنفهم الغرب من العرب على إنهم “إرهابيون” لوجدنا إنهم الأكثرية الساحقة من المائتي مليون عربي!
فكل من قاتل الاستعمار “القديم” طلباً للتحرر والاستقلال “إرهابي”،
وكل من حاول أن يحمي استقلاله وسيادته واقتصاده وثروته الوطنية من الاستعمار “الجديد” أو “الإمبريالية” هو “إرهابي” وفوق ذلك “كافر وملحد ويروج الأفكار الهدامة”!!
حتى إذا ظهر آية الله روح الله الموسوي الخميني فأسقط الشاه بالثورة الإسلامية وأقام الجمهورية الإسلامية في إيران صنف شيعياً ليظل الإسلام الأميركي بعيداً عن تهمة الارهاب التي ألحقت برجل الدين التسعيني الذي رد تهمة الكفر والالحاد على مطلقيها و”المؤمنين” بهم!
ولو أخذنا الحقبة الممتدة من الخمسينات وحتى اليوم لوجدنا إن تهمة الارهاب قد أصابت أكثرية العرب العاربة والمستعربة ومعهم “أحلافهم” من الأكراد والتركمان والكلدان والنبطيين والسومريين الخ.
فمع بداية الخمسينات كان المغرب العربي يغلي بإرادة الثورة، وتفجرت نواة الكفاح المسلح في الأرض الممتدة من حدود ليبيا إلى المغرب الأقصى على المحيط الأطلسي..
وكان طبيعياً أن يصنف الاستعماريون الفرنسيون عرب المغرب إرهابيين، ولقد وصل الأمر إلى حد اتهام السلطان محمد بن يوسف (الملك محمد الخامس في ما بعد) بأنه إرهابي ومناصر أو حام للإرهاب، فخلعوه ونفوه ونصبوا مكانه من يتقن ممارسة الإرهاب بحق الشعب المغربي، ذاته،
وبعد الفصل بين أقطار المغرب ليسهل التعامل مع كل قطر على حدة، وضرب فكرة الثورة الموحدة والكفاح المسلح الشامل على كامل التراب المغربي، ارتد الفرنسيون على الجزائر فأبادوا من شعبها المناضل أكثر من مليون شهيد، ومع ذلك ظلوا هم رسل المدينة وصوروا الجزائريين الضحايا كإرهابيين وهمج يقاتلون الحضارة الغربية.
ثم جاء الإرهابي الأعظم جمال عبد الناصر، وانتعشت بقيادته الحركة القومية مرتفعة إلى حدود الثورة التحريرية الوحدوية الشاملة، فصارت كلمة “ناصر” مثل “سمرة البشرة” اسماً حركياً للإرهاب ومعاداة التمدن والحضارة الغربية.
ومع نهاية الخمسينات كانت تهمة الإرهاب تطال شعب الجزائر وشعب مصر والشعب في المشرق العربي كله: فلسطين ولبنان وسوريا والأردن والعراق مع “جيوب” و”أوكار” في الجزيرة واليمن والخليج العربي!
في بداية الستينات انضمت اليمن، ثم جنوبها، إلى قافلة الإرهابيين،
وفي منتصفها عاد الفلسطينيون إلى الصدارة، جنباً إلى جنب مع جمال عبد الناصر، بعد قيام منظمة التحرير وانطلاق الرصاصة الأولى قبل ثلاث وعشرين سنة من اليوم،
أما منذ أواخر الستينات وحتى الآن فإن ليبيا بثورتها وقائدها معمر القذافي تكاد تكون عنوان أي حديث عن الإرهاب،
وبرغم كل الهزائم والتراجعات والتنازلات فإن اللائحة التي عممتها الولايات المتحدة ومعها معظم الغرب على العالم بالإرهابيين لا تضم من الشعوب إلا العرب ومعهم الإيرانيون (الباقي مجرد جيوب كالجيش الأحمر في اليابان، الجيش الأرمني السري، الألوية الحمراء في إيطاليا، الباسك في إسبانيا الخ).
في الماضي كانت التهمة شرفاً، لأنها كانت توجه إلى القائلين بالثورة من العرب، وبمواجهة الاستعمار الغربي والهيمنة الإمبريالية على مقدرات الشعوب،
أما اليوم فالتهمة قاتلة لأنها تستعدي العالم على العرب الخاضعين عبر أنظمتهم للغرب وإمبرياليته في السياسة والاقتصاد والثقافة وصرعات مايكل جاكسون،
ذهبت الثورة ورجالاتها، إلا أقلهم، ولم يتبق منها إلا الذكريات وإلا العقوبة المتأخرة وإلا التشهير بحملة أحلامها وكأنهم مصابون بالإيدز!
العرب، إذن، بأكثريهم إرهابيون حتى يبرأوا من الثورة وأحلام التغيير كمثل تحرير الأرض وإرادة الإنسان،
ولكنهم هانوا على أنفسهم إلى حد إنهم يجدعون أنوفهم حتى لا يتهموا بالاعتراض على الإرادة الأميركية أو على مشاريع التوسع الإسرائيلية،
وبدل أن يكون مستعبدو إرادتهم الأميركان ومحتلو أرضهم الإسرائيليون هم الإرهابيون، وهم كذلك فعلاً، نرى الأنظمة العربية تلتفت إلى واشنطن كلما صفعتها على وجهها لتسألها بشيء من اللهفة: حاسبي على إيدك، يمكن وجعك وجهي المعظم!
وبديهي أن يهونوا على غيرهم طالما إنهم هانوا على أنفسهم ، فما لجرح بميت إيلام،
وهكذا يضرب الأميركيون ليبيا فيبلع معظم الحكام العرب ألسنتهم رعباً، ثم تتوالى ردود الفعل فإذا أضعفها واخرها يصدر عن عواصم عربية،
أكثر من هذا: يضرب الأميركيون ليبيا فلا يتورع وزير بريطاني يجول بين العواصم العربية وينزل ضيفاً مكرماً على حكامها، من التنديد بشعب ليبيا وثورته، ومن اتهام هذا البلد العربي بالإرهاب، ومن المجاهرة بأن الطيارين الأميركيين قاموا بعمل مشروع “دفاعاً عن النفس”،
أليس هذا ما أعلنه وزير الخارجية البريطاني السير جيفري هاو في أبو ظبي؟!
والسؤال: أين كرامة أبي ظبي، أين رابطة العروبة التي تشدها إلى الشقيق المعتدى عليه، حتى لا نسأل عن لياقة ضيفها “الكبير” ومراعاته لأصول الضيافة؟!
ولماذا نطالب الآخرين بأن يحترمونا طالما إننا لا نحترم أنفسنا، ولا نحترم أمتنا، نحترم أرضنا ولا شعبنا، ونتنازل سلفاً وبغير طلب ومن دون قيد أو شرط عن أبسط حقوقنا؟!
لقد تجرأ هذا الوزير البريطاني على العرب وهو في السعودية، ثم تجرأ عليهم أكثر في دولة الإمارات المتحدة، بل لعل مضيفيه قد جاملوه فأخروا إعلان “استنكارهم” للاعتداء الأميركي إلى ما بعد مغادرته عواصمهم،
فمن أين يجيء الاحترام؟!
وكيف في غياب احترام الذات، احترام الهوية والانتماء القومي، احترام التاريخ والجغرافيا، ستجيء السلامة، حتى الذاتية؟!
حمى الله انتفاضة شعب فلسطين العربي في أرضه من أن يصنفها الأميركيون “إرهاباً” ويطالبون بنبذها فيبرأ منها ويتنصل المسؤولون من أهلها العرب في الداخل والخارج،
والياس فريج، مع الأسف، ليس النموذج الوحيد في التجرؤ على التبرؤ من الثورة، خوفاً من تهمة الارهاب، حتى لو كان ثمن ذلك الضياع النهائي لما تبقى من فلسطين،
و”اليانكي” يعلمنا في هذا العصر احترامه هو، بدلاً من احترام الذات، وبلغة جيفري هاو الإنكليزية،
وهاو يعطينا دروساً خصوصية حتى في منازلنا،
“هاو آر يو”؟! “فاين” “غود… أي رسبكت يو”!!

Exit mobile version