طلال سلمان

على الطريق أمير الصندوق السحري!

أكد الأمير سعود الفيصل، وأمام العالم كله، أن تفاؤل “الجمهورية الثانية” بقرب وصول المدد ليس مبنياً على رمال الصحراء بل على ما تحت تلك الرمال!
ومع إن كلام “الرؤساء” على الرأس والعين إلا أن توكيد “الأمير” جعل الناس يعيدون النظر في تقديرهم لما يصدر عن “المراجع” من تصريحات تبشر عما عادوا به من ضمانات وتطمينات وتعهدات بأن الخير آت آت!
كان أيلول من العام الماضي هو موعد اجتماع اللجنة التأسيسية للصندوق الدولي لإعمار لبنان،
وفي آخر أيام أيلول هذه السنة أعلن سعود الفيصل ومن على منبر الأمم المتحدة إن بلاده ستستضيف قريباً اللقاء الأول لهذه اللجنة العتيدة للصندوق السحري الذي بات في مستوى الأمنيات الغاليات بالنسبة للبنانيين واللبنانيات.
لقد أخرت غزوة صدام حسين البائسة الموعد عاماً كاملاً، والأرجح إنها أنقصت رأس المال المقدر، وغيبت بعض كبار المساهمين المفترضين، وبينهم الكويت التي لم يذكرها الأمير الأنيق في ملبسه وكلامه في تصريحاته الأخيرة عن هذا الصندوق السحري.
ومع إن “الجمهورية الثانية” أعلنت إن رئيس الكون جورج بوش قد “أمر” اليابان وألمانيا بالمساهمة في صندوق إعمار لبنان، إلا أن الاختلاف الطفيف بين القيادات التقليدية المعروفة والمألوفة والموصوفة في دنيا العرب وبين قيادات هاتين الدولتين الناهضتين والطامحتين على دور كوني مهما بلغت تكاليفه، يجعل من الصعب الافتراض أن مليارات الينات والماركات قد أخذت طريقها إلى الصندوق إياه، فلا الإمبراطور الياباني ولا هيلموت كول الألماني سيقف منحنياً أمام بوش، ومن بعده أمام “الجمهورية الثانية” وهو يقول: “شبيك لبيك” عبدك وما بين يديك، اطلق وتمنى”!
على إن أهم ما نتج عن كلام الأمير سعود الفيصل هو زيادة هموم المواطن في لبنان، إذ أضاف عليها هم الصندوق، وما أثقله!
غداً سيتوافد مجدداً المتمولون اللبنانيون الهاربون بأموالهم إلى الخارج والذين جاءوا فتلصصوا على أخوتهم المقيمين (لفقرهم) ثم عادوا إلى حيث أموالهم بعدما تبينوا إن لا مجال لمزيد من الأرباح والصفقات المجزية هنا، وإن في البلاد من محترفي النهب “الرسمي” ومن المبتكرين والمجددين في أساليبه ما يكفي ويزيد.
غداً سيعودون سعياً وراء المال الوافد، وباسم الصندوق، وسيثبتون “وطنيتهم” باستخدام جوازات سفرهم القديمة بدلاً من الجديدة التي تدل على انتمائهم إلى أوطنان جديدة،
غداً سيتبدل الحديث عن مشروع الشركة العقارية لإعادة بناء الوسط التجاري، وقد ترفع لافتات جديدة تحيي رفيق الحريري الابن البار وبطل الاعمار وقاهر الدولار وباني الديار والقفار وما لم يجل في الأفكار!
أما الوزراء والنواب، وأهل النفوذ فحدث عن تحولاتهم ولا حرج، وهم كانوا يعومون فيدوخون بمليارات الليرات فكيف غدا مع مليارات الدولارات؟!
أينك يا سي الأخضر وقد جاء “الأخضر” الذي حفيت قدماك وأنت تسعى إليه، من أجل لبنان، فعاندك الدهر ولم تصله؟!
لكن الناس مع “توما الزحلاوي”، مرة أخرى، يسمعون فلا يصدقون حتى يصير المال في الصندوق والصندوق في بيروت وبيروت على أكف البنائين من مهندسين وفنانين ومبدعين ومجددين وأصحاب أحلام سنية بعاصمة للإنسان العربي المقهور!
وفي انتظار الاجتماع ثم التأسيس ذاته ثم مباشرة العمل ثم توفر المال فعلاً ثم تحديد الأولويات وأخيراً الانتقال إلى التنفيذ، سيمضي زمن طويل جداً قد لا تحتمله “الجمهورية الثانية” المضروبة في الطائف،
ولكن، ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل،
… ولا بد من “الصندوق” وإن طال “الطفر”،
وإن الله مع الصابرين، إذا صبروا، ومن صبر ظفر ومن لج كفر، والصبر طيب، والصبر مفتاح الفرج، والفرج قريب، أفلا تصدقوا الأمير؟!
الجامعة والمفرّقون..
من الأخبار القليلة المفرحة الواردة من الكويت استئناف الدراسة في جامعتها بعد تعطيل قسري امتد لسنة كاملة نتيجة الغزوة الصدامية البائسة.
على إن ما ينغص الشعور بالفرح هو إن هذه الجامعة التي تضم 24 ألف طالب، ستفتقد طلابها العرب غير الكويتيين وقد كانت من قبل مفتوحة الأبواب والقلب لهم،
لا تستطيع الكويت أن تكون إلا عربية، بتكوينها ودورها وإنجازاتها، مهما كابر “الانعزاليون” فيها ممن يتباهون الآن بانعزاليتهم ويثأرون من حاكم مخطئ بالخروج من جلودهم وهوياتهم وتاريخهم إلى الضياع والعدم.
لقد أخطأ العديد من العرب تجاه العديد من العرب في ظروف مختلفة كانت أحياناً أقوى منهم كمواطنين وكان بعض حكامهم أضعف منها ومن شهواتهم وأطماعهم فانساقوا مع أسوأ الأخطاء وأبشعها.
لكن ذلك لا يسقط حق العربي في عروبته، ولا يجعله يتخلى عن ذاته نكاية بالمخطئ من أخوته.
لن تصبح الكويت ولاية أميركية، ولن يصبح الكويتيون حمر الوجوه زرق العيون بيض البشر والشعر أشقر.
وسيظل “جاسم” “جاسم” وأبوه مرزوق وأمه لولوة، بغير أن يمنعه هذا من أن يشتري أسهم المرسيدس أو سندات الخزينة في الغرب وغرب الغرب.
وجامعة الكويت، مثل الكويت، عربية كإنجاز حضاري، عربية بتوجهها ، عربية بدورها، عربية بهيئتها التعليمية وبطلابها الذين تكبر بهم الكويت ويكبرون بهاز
حرام، دعوها جامعة ولا تحولوها إلى “مفرّقة”، أيها الانعزاليون،
مع التحيات من بقايا الانعزاليين في لبنان الذين دمروا من لبنان وفيه أكثر مما دمرت أعتى الحروب!
متعهدو دفن العرب!
أخيراً تنبه العمل الرسمي العربي إلى مسألة إنسانية وقومية حساسة جداً هي أيضاً بعض نتائج المغامرة الصدامية البائسة وتتمثل في آلاف المعتقلين أو المفقودين أو مجهولي المصير من الكويتيين والعراقيين وعرب آخرين.
ثمة موفد لجامعة الدول العربية يتحرك الآن بين بغداد والكويت في محاولة للمباشرة بمعالجة هذه المسألة التي تقض مضاجع عشرات آلاف الأسر العربية في المشرق خاصة وصولاً إلى اليمن، وفي أفريقيا العربية من السودان إلى المغرب الأقصىز
أسوأ أنواع الحكام هم أولئك الذين يحاولون تعويض هزيمتهم بالانتقام من “رعايا” الحاكم المخطئ ، وكأنهم هم المسؤولون عن سوء تقديراتهم وحساباتهم الخاطئة وانحرافاتهم السياسية.
وثمة أنواع من الحكام يصح تسميتهم بحفاري القبور، أو متعهدي دفن الشعوب التي تبتلى بهم، وهذا صنف مألوف جداً في الدنيا العربية في زمن الردة والتردي والانهيار الشامل.
الطريف إن هؤلاء يكثرون من الحديث عن “بناء الإنسان” الجديد،
كأنما الشرط هو “إبادة” الإنسان الموجود.
… ويسألونك أين العرب؟!
الأرصفة…
مع التقدير للنشاط المبذول من أجل إعادة بناء الأرصفة، يطرح المواطن بضعة تساؤلات وهو يلاحظ الهمة للانتهاء بأسرع ما يمكن من هذه المهمة الجليلة، بينها ما يتصل بالأولويات وبالجدوى الاقتصادية، وبطبيعة دور “المساعدات” ووجوه إنفاقها، وأخيراً بما يستطيعه مجلس الإنماء والاعمار وما لا يستطيعه مما يكلف به.
رصيف ولا شارع؟! وكيف غداً إذا رزق لبنان بالتيار الكهربائي وشبكة الهاتف، ناهيك بمواسير المياه والمجارير وما إلى ذلك من “إنجازات” الحرب الأهلية – الدولية؟!
في أي حال مبروك على أصحاب السيارات المواقف الجديدة، في انتظار أن يهتم أحد بالسائرين نياماً من أبناء هذا الشعب الذي يفتقد النور والاتصال وما يجعله ويجعل كل شيء حياً!!

Exit mobile version