طلال سلمان

على الطريق أميركا، أميركا، أميركا

بالمنطق الإسرائيلي، يبدو الوقت مناسباً لضربة عسكرية إسرائيلية كبيرة تستهدف إلغاء ما تبقى من نتائج حرب رمضان المجيدة… ولن تتوه سلطات تل أبيب في غياهب الحيرة أمام مشكلة من نوع: هل توجه الضربة إلى سوريا أم على جنوب لبنان. فما يعني هذه السلطات أساساً أن يستعيد “جيش الدفاع” اعتباره وبريق أسطورته التي غرقت في قناة السويس، وأن تستعيد هي زمام المبادرة سياسياً في المنطقة كلها.
ومن الممكن أن يعتمد المنطق الإسرائيلي على المعطيات التالية:
أولاً، إن القيادة المصرية هي الآن في أحرج المواقف إطلاقاً، إذ إنها خسرت صداقة السوفيات المتينة، ولم تكسب شيئاَ يذكر من الخيرات الموعودة للصداقة الأميركية المستجدة.
ثانياً، إن العلاقات بين القاهرة ودمشق قد اهتزت، خلال حرب رمضان وبعدها، ففقدت درجة من التلاحم الضروري لخوض حرب جديدة على الجبهتين في آن.
ثالثاً، إن العلاقات بين القاهرة والمقاومة الفلسطينية تعيش مأزقاً حاداً، بغض النظر عن التصريحات التطمينية، نتيجة للمسلك غير المبرر وغير المفهوم الذي سلكته القيادة السياسية المصرية إزاء النظام الأردني، والذي أدى إلى أن يصبح هذا النظام المنتفع الأول بالحرب التي لم يخضها!
رابعاً، إن العلاقات بين القاهرة وطرابلس قد فقدت عافيتها وسمتها الوحدوية، بحيث بات صعباً على القيادة السياسية المصرية أن تطلب من ليبيا مثل ما تلقته منها قبل حرب رمضان وخلالها، حتى مع بقاء ليبيا على التزامها القومي وما يرتبه عليها كونها العمق الاستراتيجي للجبهة المصرية.
خامساً، إن الولايات المتحدة الاميركية، التي أخذت من العرب أقصى ما يمكن أن يعطوه، وبلا مقابل تقريباً، لن تمانع من أن ترى إسرائيل وقد استردت زمام المبادرة عسكرياً وسياسياً بحيث تفرض التسوية – بعد الحرب الجديدة – بشروطها هي، بدل أن تقبل مضطرة تسوية “مجحفة” مبنية على نتائج حرب رمضان التي ضيعها أصحابها.
طبعاً، من الممكن أن تفترض تل أبيب، وقبلها واشنطن، إن أي اعتداء إسرائيلي من شأنه أن يوحد العرب المختلفين الآن، وأن يقوي شوكة “المتطرفين” منهم، وأن يعيد الصراع العربي – الإسرائيلي إلى عهد ما قبل خيمة الكيلو 101 ومباحثات جنيف بتداعياتها المنطقية.
لكن هذا الافتراض يحتاج إلى تأكيدات عملية عربية هي – بالتحديد – من مسؤوليات القاهرة، التي يمكنها، بسلسلة من المبادرات، تصفية الخلافات والحساسيات والاشكالات التي نشأت في الوضع العربي نتيجة لاندفاعها المحموم نحو واشنطن.
وإذا لم تحسم القاهرة الموقف لمصلحتها، التي هي مصلحة العرب جميعاً، فلن ينفع مؤتمر القمة لا في تقريب موعد جنيف العتيد، ولا في تأكيد وحدة العرب، ولا بالتالي في منع إسرائيل من الاستفراد بأي قطر، وسط صمت الآخرين أو انتظارهم لمعجزات الساحر الأميركي.
ولن تتأخر إسرائيل عن اهتبال هذه الفرصة الذهبية، مستفيدة من السلاح الأميركي الجديد، ومن الخلافات العربية المستجدة، وكلها تحمل الدمغة الأميركية على الوجه والقفا!

Exit mobile version