طلال سلمان

على الطريق أسماء الأزمان الآتية!

ما أسهل كتابة التاريخ، لمن يعرف كيف يقرأ تاريخه، وكيف يحترم تاريخه، ولمن يتوحد ويوحد بين الارض والتاريخ والإنسان.
ما أسهل صناعة الضوء على من اكتوى، طويلاً، برماد النهار المنطفئ ليلاً بلا نجوم.
ما أسهل اختراق المستحيل على من قرر أن يكون بين رجال الله أولئك “الذين أذا أرادوا أراد…”.
ما أسهل أن تأخذ الأيام أسماءها الأصلية فتثبت في الذاكرة والوجدان، وتصير هي بعضك، هي منك، فيها رائحة عطرك وشميم أنفاسك ورجع نبضك يقول على مدار الساعة إنك الحي وإنك الباقي، إنك الزمان والمكان والمدى المفتوح على الآتي باسمك!
اليوم الأول: خالد محمد أكر،
الشهر الأول: خالد محمد أكر،
السنة الأولى: خالد محمد أكر،
ثم توالت “الأيام”، كأسماء الله الحسنى تعطينا المعنى والقيمة والإحساس بأننا – حقاً – أحياء،
رتب مفكرتك الجديدة، وباشر عهدك الجديد،
اسم اليوم الثاني: عطا مصطفى خير (25 عاماً)
اسم اليوم الثالث: محمد فياض (20 عاماً)
اسم اليوم الرابع : رباح حسين رنام (16 عاماً9
اسم اليوم الخامس: مصباح طوقان (35 عاماً)
اسم اليوم السادس: خالد إبراهيم عوده (22 عاماً)
اسم اليوم السابع: عاطف محمد دحلان (25 عاماً)
اسمالأسبوع الثاني: باسل دحلان (16 عاماً)
اسم الأسبوع الثالث: هنية سليمان (25 عاماً)
اسم الأسبوع الرابع: مصطفى عيسى البيك (17 عاماً)
اسم الشهر الثاني: طلال الحويحي (17 عاماً).
اسم الشهر الثالث: عطا أبو سمهادن (21 عاماً)
واسماء سائر الأيام والأسابيع والشهور تتزاحم وتتدافع على باب التاريخ: وجدان فارس (الحامل التي وهبت فلسطين الغد جنينها الذي لم ير الغد)، هليل أبو لولي، مهند الغون، محمود أبو عزيزة، خالد حميد،خليل سعادة، إبراهيم دكر، زاهر صالي، خالد أبو طارقي، عبد الله أبو الحسين، حسن جرهون، سهيلة الكعبي، سحر الجرمي، عبد الله فؤاد، إسماعيل عبد الله (11 عاماً)، إبراهيم العقيق، حاتم الصيص، راشد شحادة.
واسمالغد: محمد يوسف اليزوري (30 سنة)، وهو بالكاد خرج من السجن الذي أمضى فيه ثلاث سنوات،
لقد خرج ليصنع الضوء،
أما العتمة فمصير الذين سجنوه ثم قتلوه قتلاً فسرعوا عودته إلى حيث سينبت زيتونة مباركة جذعها في الأرض ورأسها في السماء.
ما أروع أن تشهد الليل يتمزق،أما ناظريك، نتفاً نتفاً، ويتهاوى سواد ليل الهزيمة، ويتشلع العصر الذي قام عليها بكل رموزه في دنياك الواسعة العاجزة أو في دنيا العدو الذي كان شبح سيفه الطويل يملأها رعباً وذلة وانكساراً وإذعاناً وانحرافاً كاد يذهب بالأرض بعد القضية!
ما أروع أن ترى انبثاق النجم، كما في الحلم، يأتي صاعقاً مهيباً بصمته مدوياً بضيائه الوردي.
ما أروع أن يتوالى رشق الليل بتلك الحبيبات المقدسة الحمراء فتفجره تفجيراً مفسحة طريقاً للفجر المتقدم بأشعته المبهرة، بالأسماء المنوّرة، اسماً وراء اسم، نجماً وراء نجم، شهيداً وراء شهيد، حتى لكأن السماء استحالت حديقة ورود حمراء مغسولة بندى النجيع الحار كقبلة أمك الصباحية وأنت مريض.
ما أروح أن تتحول من لا شيء على الأرض، الى قدر الأرض، لأنك ابن الأرض وأبوها، صاحبها وعاشقها، فلاحها وغارس الشجر، منها أتيت وإليك تعود، لا هي ذاتها من دونك ولا أنت أحد أو شيء من دونها،
خمس وثلاثون نجمة تملأ فضاءنا نوراً، الآن ، وكنا نتدفأ ونستضيء بنيران مدافع العدو وحماته، في الداخل والخارج.
خمس وثلاثون نجمة استبقت زهر اللوز لتبشر بالربيع الآن للقضية التي تكبر فلا تشيخ، تلغي المتلاعبين فيها ويستحيل شطبها أو تصغيرها لتصير بحجم أولئك الذين كلما اقتربوا منها تقزموا وتضاءلوا وامحوا كما لو أنهم لم يكونوا أبداً!
-أين يكتب التاريخ؟!
-فيتلك المسافة التي تفصل وتصل بين الرصاصة والجبهة المرتفعة
-من أين ينبثق الضوء؟!
-من ذلك الشق المتوهج لجرح مبارك في الصدغ أو فيالصدر، أي من ذلك الفضاء الفسيح الممتد بين العقل والقلب والإرادة وبين الأرض – الأم ، الأرض – الحبيبة، الأرض – الحلم البكر،
-وكيف يمكن اختراق المستحيل؟
-بتلك الكلمة الجبار سحرها، العظيمة مهابتها، المجلجل صداها المتردد عبر الأزمان الآتية: لا!!
“لا” التي بشكل الحجر، بل بشكل القبضة العفية المشدودة على حجر، صخراً على صخر.
“لا” التي تتوهج بسمرة الذراع الذي يشبه جذور الشجرة، سمرة التراب، سمرة القمح. سمرة وجه الذي أعطى عصرنا اسمه.
“لا” التي تكاد تكون صورة لخريطة فلسطين العربية التي استعصت على التسميات الأخرى، وعلى اللغات الأخرى.
“لا” التي لا يمكن أن تصير “نعم” ولا يمكن أن تزور فتصبح “لعم”،
“لا” التي تمزق ليل الهزيمة وأقنعة المهزومين،
“لا” التي كدنا ننساها حين نسينا، أو كدنا، أسماءنا وتاريخنا وهويتنا وأرضنا السمراء كما فلسطين، كما العرب، كما الغد الأفضل.

Exit mobile version