طلال سلمان

على الطريق أزمة الحكم… الحكم!

لا يحتاج الأمر إلى ذكاء خارق لاكتشاف طبيعة الأزمة التي يعيشها الحكم والتي بلغت ذروتها حدة في حادث الاعتداء على حاكم مصرف لبنان.
إنها أزمة إنجاز.
ولعلها أزمة تبرير الذات، وجوداً ومهمة وقصوراً او تقصيراً،
فالحكم المطالب بما يفوق قدراته كثيراً جداً يعجز، حتى هذه اللحظة، عن إنجاز الحد الأدنى مما يحتاجه الناس،
والحكم الذي تولى مقدرات البلاد (؟!) بينما الانهيار في أوجه وقد شمل مختلف المرافق والمؤسسات والأعراف والقيم، يحار من أن يبدأ وكيف يبدأ وبماذا يبدأ!
إنه عادز بقدر ما هو مطالب، وعجزه لأسباب موضوعية قبل أن يكون لأسباب ذاتية، فكيف إذا تداخلت واتصلت هذه بتلك.
إنه صورة عن الواقع المأساوي للبلاد، لم يأت ولا كان ممكناً أن يأتي من خارجه، وهو لن يستطيع تجاوز طبيعته ما لم تتغير – جذرياً – مكونات هذا الواقع المزري.
لقد عومل الحكم، برئيس الجمهورية ومجلس الوزراء، وكأنه جبهة سياسية، أو ائتلاف بين قوى واتجاهات وتيارات، وما هو بذلك، ولا تمكن عبر تجربة المائة يوم أن يكون.
ولعل هذا النقص أو الخلل في الأداء هو مكمن أزمة الحكم وهو نقطة البداية للخروج منها.
لقد وُصفت هذه الحكومة، عند ولادتها، بأنها حكومة الـ 14 حزباً، وهي ما زالت حتى اليوم كذلك، هذا إذا ما اعتبر الوزراء – بأشخاصهم – أحزاباً وما هم بأحزاب.
ولقد تمزقت إرادة هذه الحكومة بفعل التجاذب الحاد بين تيارين : تيار يريد إرجاء كل شيء حتى تستعيد الشرعية “الشرقية” ويستعيد الحكم (والبلاد) التوازن المفقود أو الناقص، وتيار يرى في نفسه الأهلية لادعاء تمثيل ما يحكم من البلاد فإذا ما أتى القسم الغائب فما عليه إلا الالتحاقن وإن لم يأت لم يتعطل الحكم ولم يتجمد، خصوصاً وإن قرار إنهاء الحرب في لبنان أخطر من أن يترك للأطراف المحليين لكي يبتوا فيه.
كذلك تعطلت قدرة الحكم على الإنجاز لأنه لا يملك – فعلياً – الكثير من أسباب الحكم، وتنقصه الإمكانات الضرورية للمباشرة، ويفتقد وحدة الرؤية ووحدة الرأي في ترتيب الأولويات.
والأخطر من هذا كله أن الحكم قد افتقد النصير العربي، والدولي الجدي، برغم تهاطل تصريحات التأييد والدعم والمساندة من أربع رياح الأرض.
في ما عدا سوريا التي عرضت أن توفر له كل ما يمكنها أن تقدمه، فإن الحكم الذي جاء باسم اتفاق الطائف ما زال حتى اليوم مضطراً لأن يذكر أهل الطائف يومياً بأنه “وليدهم” وبأنه بأمس الحاجة إلى رعايتهم التي لم يوفروا منها – حتى الآن – غير العواطف التلفزيونية الطيبة وغير كلام المواساة الجميل.
السؤال الملح والذي يفرض نفسه على الحكم ، بأشخاص أطرافه جميعاً ، هو: ما العمل، في ضوء الظروف القائمة محلياً وعربياً ودولياً؟!
والسؤال يتجاوز بطبيعته حادث مصرف لبنان ليلامس الأزمة الفعلية التي تشل فاعلية الحكم، وتبرر هجمات النقد عليه، حتى لو كان بعضها يصدر عن أغراض شخصية.
لا الاستقالة ممكنة ولا التغيير مقبول أو جائز.
لا الإنجاز ممكن، ولا القصور أو التقصير مقبول أو جائز استمراره.
لا تفجير أسباب الاختلال حل، ولا استمرار السكوت عنها ينهيها،
لا انتظار “الشرقية” سبب كاف لتبرير إحساس “الغربية” بالظلم، بل الاضطهاد، ولا الخسارة في “الغربية” ستعجل في استعادة الشرقية إلى الشرعية.
إن وحدة الحكم هي القضية في “الغربية” اليوم وفي سائر أنحاء لبنان، ومنها “الشرقية” غداً.
وبالتأكيد فلن يكون سمير جعجع – إذا ما سلم بالشرعية والطائف وقبض له أن يبقى بعد ميشال عون – هو أداة توحيد الحكم وعامل تزخيم قدرته على الإنجاز.
من هنا فقد رأى كثيرون في حادث مصرف لبنان فرصة وفرتها المقادير لتصحيح صورة الحكم، وبكلام أصرح: فرصة لتصحيح العلاقات بين “رفاق الصف الواحد” قبل أن يقدم عليه “أبناء الصف الآخر”،
إن الحملة اليوم تطال الجميع من الرئيس الياس الهراوي إلى الرئيس سليم الحص إلى الوزراء جميعاً.
وهي حملة قد تكون ظالمة، في بعض جوانبها، وقد تكون مغرضة في بعض استهدافاتها، وقد تكون شخصية في بعض منطلقاتها،
لكن المؤسف أنها حملة لها جمهورها الذي يتزايد يومياً مع استمرار تردي الأوضاع المعيشية في بيروت وسائر أنحاء لبنان.
ولا مجال لوقف الحملة إلا بأن يسارع الحكم إلى توكيد وحدته وتحديد رؤيته للمسائل والمشكلات (والحلول) التي تواجهه، ومن ثم إعلان خط سيره وخطة عملة وقد حدد فيها – وبدقة – أولوياته.
فواضح أن البيان الوزاري منسي أو أنه لم يوفر أداة توحيد الرؤية أو توحيد المنهج ومن ثم توحيد الحكم.
وواضح أن الخلل في العلاقات بين أطراف الحكم بات يهدد مشروعه السياسي برمته، ويصيب بالضرر القوى التي تدعمه وتسانده وترعاه فعلياً وهي سوريا أولاً، واللجنة الثلاثية العربية ثانياً.
واللبنانيون ليسوا في حال المفاضلة بين هذا الحكم وغيره،
إنهم لم يعترضوا عليه ولا هم أنكروه ولا هم يطالبونه باجتراح المعجزات.
إنهم يريدون منه أن يقرر أن يكون “الحكم”، أي “المرجع” أي مصدر الشرعية والسلطة والقرار.
وأول شروط الحكم الوحدة بين أطرافه حتى وإن كانوا متمايزين في مواقفهم ومختلفين في منطلقاتهم “الفكرية”.
بقي أن يعرف اللبنانيون لمن عليهم أن يتوجهوا بطلب المبادرة لتصحيح صورة الحكم.
ويبقى أن الطرف المعني أكثر من غيره بحكم مواقعه هو رئيس مجلس الوزراء، فمتى يبادر الرئيس سليم الحص، وهو واحد من قلة من رجال الدولة استنقذوا أنفسهم أو استنقذتهم ظروفهم فلم تطحنهم الحرب الأهلية ولم تفقدهم سلامة الرؤية وسلامة الاتجاه؟!

Exit mobile version