طلال سلمان

على الطريق أرضك أو أخوك؟!

في المسافة بين سواد العين وبياضها تلاقى فتصادم المصلوبان، أمس: لبنان وفلسطين.
كان على كل منهما أن يخون ذاته لكي يؤكد وجوده، كان على كل منهما أن يتمسك بمنتهى الانفصال ليؤكد ذروة الاتصال بالأرض والقضية.
-لكي تكون أخي، حقاً، عد من حيث أتيت!
-لكي تكون أخي، حقاً، ارفضني عندك لعلك تساعدني في استعادة ما فقدت. لست أخي أن قبلتني، وليست أخاك إن أنا قبلت. أرضي أرضك، أرضك أرضي إلا في هذه الساعة، فلا أكون أنا – أخوك – إلا في أرضي ولا تكون أنت أخي إلا إذا أنكرتني وحرمت علي أرضك!
… والرصاص يسقط الحدود بين السواد وبياض العين.
… والرصاص يسقط الحدود أمام البنقدية، فيلجأ الأخوان إلى إعادة ترسم الحدود بالأجساد الحية وهي تقاوم صقيع العراء والوحشية وافتقاد النصير.
إنه الهجوم الإسرائيلي المضاد، وعلى الجبهات كافة،
إنه الهجوم الشامل على كل ما تحقق في لبنان وللبنان: على الحل العربي (بالرعاية الأميركية) الذي ضرب في الطائف ثم انجز في بيروت بالاحتضان السوري، وصولاً إلى الإصلاحات الدستورية والانتخابات النيابية والحكومة الحريرية الطامحة إلى إعادة بناء لبنان ما بعد الحرب الأهلية مع إغفال لخطورة الاختراق الإسرائيلي للنسيج الاجتماعي في الداخل والاختراق الأخطر للنظام السياسي العربي على امتداد الوطن الكبير.
… والوعد الملكي بتنفيذ القرار 425 يفتقد المهابة والمصداقية ورزانة الملوك!
وهو الهجوم الإسرائيلي الشامل على المفاوضات الثنائية الجارية بالرعاية الأميركية، في واشنطن، وبالشروط الإسرائيلية.
ليس ضرورياً أن يكون إسحق رابين عبقرياً ليدرك أنه غير مضطر لأن يعطي للعاجز عن الأخذ،
ثم إن “الإدارة عداء لإسرائيل” عبر التاريخ الأميركي قد ذهبت إلى زاوية النسيان، وجاءت إدارة مرتهنة للنفوذ الصهيوني.
انقلب السحر على الساحر: ورجل أميركا في إسرائيل استطاع أن يكون الصوت المرجح لإسرائيل في أميركا… وهكذا ذهب بوش الذي ادعى في لحظة ما أنه صاحب الفضل في وصول إسحق رابين إلى سدة السلطة في إسرائيل، خلفاً “للمتطرف” إسحق شامير، وتمكن رابين ذاته من توجيه الضربة القاضية إلى جورج بوش وتأمين الفوز لخصمه الأمي بيل كلينتون.
والفترة بين العهدين هي فرصة ذهبية لكي يفرض “المعتدل” رابين أمراً واقعاً جديداً يكبل به يدي كلينتون، ويرسم عبره سياقاً جديداً للمفاوضات يجعلها غير ذات موضوع
إنها اللحظة المناسبة لتوجيه الضربة إلى الأطراف المخاصمة أو المناكفة أو المنافسة جميعاً،
وهي اللحظة المناسبة للنفخ في رماد الحرب الأهلية العربية: بين الفلسطيني والفلسطيني، وبين الفلسطيني واللبناني، وبين الفلسطيني والسوري، وبين الفلسطيني والأردني، وربما بين الأردني واللبناني، واللبناني والسوري، والسوري والأردني… ثم بين هؤلاء جميعاً وبين المصريين المهددين بحرب أهلية أخرى من طبيعة مختلفة في ظاهرها، ولكنها متصلة في العمق بالجوهر ذاته.
فالعجز عن المواجهة يؤدي إلى الاقتتال،
وبين مظاهر الاقتتال مخاطر التوطين وهواجس تفريغ البلاد من أهلها واختلاس الأرض من أصحابها وإخضاع المكابر بعد حرمانه من “حججه” التاريخية وبعد حرمانه من أسباب الصمود وأدوات القتال.
إنها الحرب الإسرائيلية الجديدة،
وهي تستهدف قبل فلسطين ومعها لبنان، ومن خلال لبنان سوريا، ومن خلال هذه جميعاً الأمة برمتها، إنها الحرب،
… ولكننا ما زلنا نطمح بالسلام، وكلما انخفض سقف الشروط طأطأنا الرؤوس ونزلنا تحتها، حتى نكاد نلتصق بالأرض،
لكن الأرض هي مصدر الخطر، لذا يمنع علينا الالتصاق بها ولو في خيمة للصليب الأحمر الدولي.
-لست أخي إن دخلت أرضي،
-لست أخي إن تركتني أدخل فتخرجني من أرضي،
-لست أخاك إن تركتك في صقيع العراء واليتم،
-لست أخي إن أنت آويتني فنعمت بدفء عاطفتك، انبذني تتأكد أخوتنا.
ويرتطم الصليب بالصليب على حافة العدم، ويمنع اقتران بياض العين بسوادها، حتى لا تشتد قبضة الإسرائيلي على الأخوين المرتجفين في صقيع العراء والمهددين بالاندثار في العدم…
وفي المسافة بين زمريا ومرج الزهور يرتفع هتاف واحد: أحد، أحد، قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد!
صدق الله العظيم.

Exit mobile version