طلال سلمان

على الطريق أبعد من المؤتمر الرباعي

لأن الأجواء ملبدة بكل هذه الغيوم والحساسيات والشكوك والريب، ولأن “حوار الطرشان” هو – الآن – اللغة السائدة في التخاطب بين الأطراف الأربعة المعنية، أي مصر وسوريا والأردن والمقاومة الفلسطينية،
لهذا وذاك (وما خفي أعظم) يكتسب المؤتمر الرباعي، الذي دعت سوريا إلى عقده خلال أسبوع، أهمية خاصة تخرج به وبنتائجه المفترضة من إطار “اللقاءات الدورية” التي تنتهي غالباً بلا نتائج محددة، هذا إذا انتهت أصلاً بأي نتائج!
ذلك إن ما بين مصر وسوريا، وكما تكشف عنه التصريحات الرسمية المبطنة والتلميحات وأنصاف الجمل، والكلمات المغمغمة، قد تجاوز نطاق “التعارض المنسق” أو “التنسيق بين المواقف المتعارضة” واندفع متجهاً إلى “الأزمة” التي أولها الشك وآخرها – إذا لم يتم تداركها ووقفها عند حد – الاتهامات والتخوين والقطيعة الكاملة.
وبين مصر والمقاومة الفلسطينية وضع أكثر تعقيداً، من ملامحه إن الصحف المصرية تصدت بالنقد العنيف والمباشر لقيادة المقاومة، وإن القاهرة انتظرت ياسر عرفات أكثر من مرة فلم يزرها، لأنه لم يتلق دعوة رسمية!! إذا أخذنا بالتفسيرات المروجة بغرض التعمية عن الأسباب الحقيقية، أو بدافع الحرص على ما تبقى من علائق ووشائج .. استراتيجية.
ثم إن بين المقاومة والنظام الأردني علاقة ملغزة، فهي تنتظر منه تنفيذ مقررات مؤتمر الرباط ليصبح التلاقي معه مبرراً، وهو يطالبها باللقاء كمدخل لتنفيذ تلك المقررات التي فسرها النظام الأردني انفصالاً مقبولاً، مرة، وسلخاً مرفوضاً لجزء من شعبه، مرة ثانية، وأمراً باضطهاد كل فلسطيني متأردن، أو مقيم في الأردن، مرة ثالثة، ومدخلاً خلفياً لإحياء مشروع المملكة العربية المتحدة، في المرات جميعاً!
أما بين سوريا والنظام الأردني فثمة علاقة هي أشبه ما تكون بالعملية الرياضية التالية: إذا اقترب (ص) من (س) مسافة معينة فإنه يبتعد عن (ع) المسافة ذاتها، وهكذا فإن (ع) يقرب (ص) أو يقترب منه المسافة التي يريده أن يبتعد بها عن (س).
وهكذا فإن لكل طرف، الآن، تصوره الخاص لهذا المؤتمر،
فمصر قد ترى فيه محاولة لمحاصرتها بالموقفين السوري والفلسطيني، بعد تحييد (؟) النظام الأردني الذي يبدو أنه يبحث عبثاً عن حصة، في جنيف أو خارج جنيف، فلا يجد،
والمقاومة قد ترى فيه مناسبة للضغط على الموقف السياسي المصري بهدف منعه من الوصول إلى نهاية طريق “الحل المنفرد”، مستفيدة في ذلك من المعارضة السورية الرسمية والمعلنة والمفهومة الأسباب،
والنظام الأردني قد يستفيد من التعارض الكبير بين موقف مصر من جهة، وموقف كل من سوريا والمقاومة الفلسطينية، من جهة أخرى، ليطمس نهائياً مقررات مؤتمر الرباط وما يماثلها ولسان حاله يقول: اتفقوا في ما بينكم أولاً ثم بلغوني لالتزم!
وقد تكون دمشق محرجة، بهذه النسبة أو تلك، في هذا المؤتمر الذي سينعقد فيها وبدعوة منها، وفقاً لمقررات المؤتمر السابق الذي انعقد في إطار الجامعة العربية، وبوصفه تطبيقاً لبعض مقررات قمة الرباط.
لكن هذا كله لا يمنع المواطن من التمني، إذا تعذرت المطالبة، على المؤتمرين أن ينتهوا إلى نتائج محددة وصريحة تنهي – أو تعجل في انتهاء – عصر الغمغمة وإنصاف الجمل!
ليخرجوا فيقولوا لنا: لقد فشلنا في الوصول إلى اتفاق! إننا مختلفون!
ولسوف نحترمهم أعظم الاحترام، إذ سنرى في تصرفهم الشجاع هذا احتراماً منهم ليس لأنفسهم فقط بل أيضاً وأساساً لعقولنا.
وقد يكون الإقرار بالاختلاف أمراً صعباً، لكن إخفاءه أصعب وأمر في نتائجه وما يترتب على هذه النتائج.
إن الأمة كلها مهددة. ومهددة بمصيرها ومستقبلها ووجودها ذاته. ولن يزيد من حراجة وضعها الراهن أن يفشل اجتماع لبعض وزراء الخارجية العرب. وبالمقابل فإن مصارحتها بحراجة وضعها، وبين معالمه الاختلافات بين الأنظمة والمنظمات والحكام والمحكومين، تريحها أكثر ألف مرة من مخاتلتها أو مخادعتها أو بيعها أوهاماً لن تصمد لا أمام المدافع الإسرائيلية، ولا أمام الريالات “العربية”، ولا خاصة أمام مخططات العزيز هنري.
… ترى هل آن أوان “الانشقاق الوطني”؟
هذا هو السؤال الكبير، الآن.
وبعض مقاطع الجواب قد تصدر عن المؤتمر الرباعي أو تتسرب منه!

Exit mobile version