طلال سلمان

عفيف فراج شهيد جامعة وطنية

كيف تنعى عقلاً، فكراً، قلماً خصباً نجح في المزاوجة بين النزاهة الفكرية والموقف الوطني القومي التقدمي فساهم في زيادة دائرة النور والمعرفة من حول طلابه، كما من حول جمهور القراء والمهتمين عموماً، في لبنان والوطن العربي؟
إن الجامعة الوطنية، بل والوسط الجامعي كله، في حداد. لقد خسر طلاب المعرفة أستاذاً كبيراً، صرف عمره في طلب المعرفة والمزيد من المعرفة. قرأ كثيراً وكتب قليلاً، لكنه في ما كتب كان يهتم بأن يقدم الحقيقة إلى الناس، ومن أجل الوصول إلى الحقيقة كان عليه أن يتعب، وأن ينقب، وأن يدقق، وأن يقارن بين المراجع المختلفة، وأن يباعد بين عواطفه وبين نتائج أبحاثه، فلا تأخذه العصبية إلى طمس ما يجب أن يعرفه الناس، ولا تبهره قوة العدو الذي نواجهه ونحن نحاول الوصول إلى غد أفضل، بل ينكب على تحليل أسباب قوة هذا العدو، بجذورها التاريخية: بالتحالفات التي نسجها والاختراقات التي حققها للقوى العظمى حتى تبنّت »قضيته«، وبرغم تعارضها أحياناً ليس فقط مع »قيمها« بل كذلك مع مصالحها المباشرة.
مبكراً رحل عفيف فراج، وقبل أن يفرغ من إعطاء ما كان يمكنه أن يعطيه من علمه لأجيالنا الجديدة، في الثانويات بداية ثم على امتداد ربع قرن في الجامعة اللبنانية.
مبكراً رحل هذا المناضل الذي نذر عمره للصح، مدرّساً وكاتباً وباحثاً ومؤلفاً مدققاً، والذي حافظ على موضوعيته ونزاهته حتى في زمن الحرب الأهلية، فظل أسمى من أن تلوّثه المذهبية أو الطائفية، أو التعصب لرأي أو لفكرة، لأنه كأي مجتهد كان يؤمن بالمبدأ القائل »رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأيك خطأ يحتمل الصواب«، وعلى قاعدة هذا المبدأ حاول أن يعطي طلابه زبدة اجتهاداته.
ليس مبالغة أن يقال إن عفيف فراج هو شهيد العلم، شهيد الجامعة اللبنانية.
لقد أعطى عمره، ونور عينيه، وتعب السنين، وأعطت عائلته معه، برضى، بل لقد شاركته زوجته الجهد ووقفت إلى جانبه تسنده لأنها آمنت به وبإنتاجه المميز.
عفيف فراج: لن ننساك، أيها الذي أعطانا الكثير ولم يأخذ من حقه إلا أقل القليل. فليرحمنا الله.

Exit mobile version