طلال سلمان

عرقلة مساعي نتنياهو لعرقلة الاتفاق!

غزة ـ حلمي_موسى

150 يوما على العدوان، وبرغم الضيق والشدة، فإن الفرج آت، وكلنا أمل بمستقبل أفضل لشعبنا على أرضه، لنعيد بناء وطننا حرا كما نريد ولنعيش بكرامة كما نستحق.

***

يوم أمس، بدا وكأن المفاوضات حول مقترح “باريس 2” قد تفجرت جراء خلافات حاول العدو اتهام حماس بإثارتها. لكن، سرعان ما تبين أن جانبا أساسيا من الأزمة يتصل أصلا بالموقف الإسرائيلي، الذي لم يتم الإفصاح بعد عن طبيعته، بالإضافة إلى الشرط المسبق الذي وضعه رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو، وهو شرط بات حتى أعضاء كابينت الحرب يعرفون أنه شرط للعرقلة.

ومع ذلك، يبدو أن الإدارة الأميركية مصرة على تحقيق انجاز في المفاوضات والتوصل إلى تنفيذ المرحلة الأولى من مقترح باريس بأسرع وقت ممكن.

وقد سلم وفد “حماس” للوسطاء المصريين والقطريين رده على مقترح “باريس 2”. وبالرغم من أنه لم يتم الإعلان رسميا عن فحوى الرد، إلّا أنّ إسرائيل ركّزت على أنه لم يتضمن قائمة بأسماء المختطفين الأحياء، وهو الشرط الذي كان قد فرضته لمواصلة المفاوضات. وكانت “حماس” قد أعلنت مرارا أنها لن تسلم أي معلومات حول المختطفين من دون مقابل.

وأدى الشرط الإسرائيلي المسبق هذا إلى خلق أزمة جديدة في المفاوضات، بالرغم من أنه لم يثر اهتماما كبيرا لدى الأميركيين أو الوسطاء المصريين والقطريين، إذ اعتُبر نوعا من العرقلة أو استغلال لساعات المفاوضات الأخيرة لتحقيق مكاسب من خارج دائرة النقاش، وهو ما يفسر صمت الوسطاء عن هذا الشرط الذي من الواضح أنه جاء من خارج السياق والتوقعات.

وكرّر مسؤولون أميركيون أنهم يتوقعون التوصل إلى اتفاق قبل حلول شهر رمضان في الحادي عشر من الشهر الجاري.

وقد فضحت وسائل الإعلام لإسرائيلية وظيفة هذا الشرط الذي طرحه نتنياهو لعرقلة المفاوضات من جهة، ولإرضاء شركائه في اليمين المتطرف من جهة أخرى.

ونشرت القناة “كان 11” مساء أمس تقريرا عن المفاوضات جاء فيه أن الشرط الذي وضعه نتنياهو وسلمه للوفد الإسرائيلي المفاوض لم يحظ بموافقة كابينت الحرب، إذ إنه يتعارض مع رأي غالبية أعضائه.

أضاف التقرير أن هذا الطلب تعرض لانتقادات شديدة من جانب أعضاء كابينت الحرب، مع أنه أسعد أعضاء آخرين في مجلس الوزراء، وهم على الغالب بن غفير وسموتريتش وأشباههم الذين يطالبون نتنياهو بالتمسك بشرطه وعدم التنازل عنه في أي اتفاق مقبل.

وكان رئيس الموساد ديدي بارنيع، وبعدما سلّمت حماس ردها، قد أبلغ رئيس الوزراء القطري حمد بن عبد الرحمن آل ثاني أن الحركة لم تقدّم قائمة بأسماء الأسرى الإسرائيليين الأحياء.

وتذرعت إسرائيل بذلك للإعلان بأنها لن ترسل وفدا إلى القاهرة لمواصلة المفاوضات، ما دفع كثيرين لاعتبار أن المفاوضات قد انهارت. وأعلنت “القناة 12” الإسرائيلية أن عدم تسليم قائمة الأحياء أدى إلى “انفجار الاتصالات بشأن الصفقة المرتقبة”.

ونقلت القناة عن مصدر إسرائيلي وصفته بأنه “مطلع” قوله إنه “لن نتنازل الإجابات المطلوبة من حماس على أسئلة أساسية”، موضحة أن قرار عدم إرسال وفد للقاهرة اتخذه كابيت الحرب والجهات الأمنية بالإجماع، وقد تم إبلاغ قطر أن رد حماس “لا يتيح التقدّم” نحو صفقة.

ومع ذلك، تواصلت المفاوضات في القاهرة بحضور الوفود القطرية والمصرية والأميركية التي كانت على اتصال دائم مع الوفد الإسرائيلي الذي لم يحضر إلى القاهرة.

ومن المتوقّع أن تضغط الإدارة الأميركية على إسرائيل لإلزامها بقبول صيغة “مقترح باريس” التي تتضمن الخطوط العريضة للصفقة، وعدم عرقلتها بوضع اشتراطات جديدة.

وفي الوقت ذاته، تضغط كل من الولايات المتحدة وإسرائيل على كل من مصر وقطر لحثّ حماس على تليين موقفها لتجسير الخلافات، وأيضا بحجة إحراج نتنياهو الذي لا يريد الصفقة من أساسها. ومن المؤكد، وفق تصريحات مصرية، أن الاتصالات ستتواصل طوال اليوم الاثنين وأنها لن تتوقف حتى حلول شهر رمضان.

وكانت مصادر قيادية في حماس قد كررت قولها إنها لن تقدّم أي تنازلات تسعى الإدارة الأميركية والاحتلال الإسرائيلي لفرضها على المقاومة خلال عملية التفاوض غير المباشر. وتشدد المصادر على أن حماس لا يمكنها أن تلتزم بمسار يحدده نتنياهو من أجل تخفيف الضغط الداخلي عن ائتلافه الحكومي على حساب دماء الفلسطينيين.

وتبيّن حماس من خلال مواقفها هذه أنها ليست في موقف ضعف، وأن اشتراطات العدو غير مقبولة، وأنها قادرة على مواصلة المعركة إلى حين تحقيق مطالبها.

وقد شرعت إسرائيل بحملة إعلامية هدفها تحميل حماس مسؤولية عدم التوصل إلى اتفاق قبل رمضان، مرّوجة بأن الحركة تفضّل إشعال المنطقة في شهر رمضان بدلا من التوصل إلى هدنة. ولذلك، تضغط إسرائيل على إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من أجل الضغط على قطر كي تضغط بدورها على حماس سياسيا واستخدام نفوذها الاقتصادي للتوصل إلى الهدنة قبل حلول رمضان.

وحاولت صحيفة “إسرائيل اليوم”، المقرّبة من حكومة نتنياهو، إشاعة أن رد حماس أثار غضب القطريين والمصريين، ما دفعهم إلى إبلاغ الحركة أنه بمثل لا يمكن البدء بمفاوضات مع إسرائيل في أجواء مماثلة.

لكن الصحيفة لم تنسب هذا الكلام لأي مصدر، كما أنه لم يصدر أي كلام من هذا النوع عن أي مسؤول مصري أو قطري. وكل ما رمت إليه الصحيفة، باسم حكومة نتنياهو، هو تحميل حماس مسؤولية فشل المفاوضات، وإشعال المنطقة في رمضان. 

وادّعت الصحيفة أن الولايات المتحدة ستمارس في الأيام المقبلة ضغوطًا على قطر لاستخدام أدوات الضغط التي تمارسها على حماس من أجل البدء في عملية التوصل إلى اتفاق، معتبرة أن “من شأن ذلك أن يضر بمستوى المعيشية الجيدة لقادة حماس الذين يعيشون في قطر”.

ولكن، ومقابل الكلام الإسرائيلي، جاءت تصريحات نائبة الرئيس الأميركية كامالا هاريس أمس، التي اعتبرها الإعلام توبيخا من إدارة بايدن لحكومة نتنياهو، حيث طالبت بوقف فوري لإطلاق النار وانتقدت إسرائيل لمنع إدخال المساعدات إلى قطاع غزّة معتبرة الوضع في القطاع “غير بشري”.  

من جهة ثانية، كتب المعلق العسكري في “هآرتس” عاموس هرئيل أنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق قبل حلول رمضان، فإن المواجهة ستحتدم مع الإدارة الأميركية.

وأوضح أنه “بالنسبة لمجتمع الدولي، فان اسرائيل هي الآن المسؤولة الأساسية عن المعاناة الشديدة لسكان القطاع. المذبحة التي ارتكبتها حماس في 7 تشرين الاول لا تقدم أي تبرير لسلوك اسرائيل الحالي في دفع السكان الفلسطينيين الى رفح في الجنوب، ووضع العقبات امام نقل المعدات الانسانية (بعضها بسبب الاغلاقات التي قام بها متظاهرو اليمين والتي غضت الحكومة والشرطة النظر عنها)، والجوع المتفشي في بعض اجزاء القطاع، والرفض الحازم لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لمناقشة ترتيبات “اليوم التالي” بجدية.”

أضاف أن “الولايات المتحدة تعبر عن الغضب بطرق مختلفة، لكن عدم التوصل الى صفقة تبادل في الفترة القريبة المقبلة، أي في بداية شهر رمضان بعد اسبوع، يمكن أن يفاقم المواجهة بين واشنطن والقدس”.

واعتبر هارئيل، في إشارة إلى الأزمة الحالية في المفاوضات، أن “نافذة الفرص التي بقيت ضئيلة جدا. يبدو أن حماس لم ترد حتى الآن بالتفصيل على اقتراح الوسطاء الذي تم عرضه في باريس، ومن المرجح أن يكون ميزان القوة في المفاوضات قد تحسن لصالحها، وتدفق المساعدات الانسانية إلى القطاع سيتحسن أصلا بسبب الضغط الدولي الذي سيمارس على اسرائيل. حماس ايضا تتوقع إطلاق سراح آلاف السجناء في المرحلة الثانية من الصفقة، مع أنها باتت تعلم أن الصفقة لن تكون على أساس “الجميع مقابل الجميع”، وهي العملية التي ستفرغ بشكل كامل السجون في اسرائيل.”

وقال إن “الموضوع الأهم بالنسبة لحماس هو الدفع قدما بصفقة شاملة للحرب. الخطة الاخيرة التي عرضها الوسطاء في قمة باريس تتحدث عن وقف إطلاق النار لستة اسابيع في المرحلة الاولى، بعد ذلك انسحاب كامل للجيش الاسرائيلي من القطاع وبالتالي انهاء الحرب، مقابل إطلاق سراح كل المخطوفين واعادة جثامين من ماتوا. الفلسطينيون يريدون ربط هذه الامور منذ البداية بتعهد صارم، ويبحثون ايضا عن ضمانات دولية لأمن قادة حماس الشخصي.”

 ومضى شارحا أن “هذه الطلبات صعبة جدا على الهضم لدى نتنياهو، ربما حتى أكثر من إطلاق سراح السجناء في المرحلة الاولى. والموافقة على الانسحاب الكامل، والذي يُعتبر وقف للقتال، هو اعتراف غير مباشر من اسرائيل بالفشل، وانهاء للحرب من دون تحقق الهدف العلني الذي يتمثل بالقضاء على سلطة حماس”.

أضاف أنه “في مثل هذه الظروف، فإن نتنياهو سيجد صعوبة في الحفاظ على الجناح اليميني – المتطرف في الائتلاف. وهو حاليا يقوم بنثر التهديدات حول اقتحام الجيش لرفح، برغم أنه لم يتم تجنيد القوات المطلوبة وتخصيصها، واسرائيل لم تبدأ بعد بعملية اخلاء السكان الفلسطينيين الموجودين هناك.”

وأشار إلى أن “رئيس الحكومة مازال  يعتبر أن دخول رفح سيزيد الضغط على حماس وسيؤدي الى التوصل الى صفقة تبادل أفضل، وربما سيدفع قدما أيضا التطبيع مع السعودية، مما سيقنع العالم العربي بأن اسرائيل جدية في نيتها هزيمة حماس”.

Exit mobile version