طلال سلمان

عرفات يفتدي اسرائيل بسوريا ولبنان

ادخلت اسرائيل بعض اسلحتها »العربية« في حرب المفاوضات مع سوريا ومعها بالضرورة لبنان.
وفي حين يلعب النظام الاردني دوره كمتواطئ بشيء من الحذر ويكتفي بكشف ظهر المفاوض السوري، يتقدم ياسر عرفات »بشجاعة« لافتة ليكون رأس الحربة في الهجوم الاسرائيلي الجديد.
التفرد يحتاج الى حماية يومية، والحماية لا تتوفر الا بالتنازل اليومي، والتواطؤ مع العدو لا بد ان يمتد ليكون تواطؤù على »الشعب« و»الارض« و»القضية«، ومن باب اولى على الشقيق، رفيق السلاح القديم، الذي ما زال في الميدان.
ولقد حسم ياسر عرفات أمره منذ زمن بعيد، وحين دخل غزة بالشروط اياها كان يعرف تمامù الدور المرسوم له والمطلوب منه تنفيذه، وهو يبرهن كل ساعة بأنه دقيق في التنفيذ بحيث يتجاوز اقصى المتوقع منه!
كان عليه ان يدجن الفلسطينيين جميعù، في غزة ثم من حولها، وبعد ذلك في الضفة وسائر فلسطين المحتلة، والقدس منها بالذات،
»ألم تكونوا تطالبون بالسلطة؟! لقد اخذنا السلطة فمن تقاومون اذن… سلطتكم؟! من يريد التحرير ليذهب فيحرر في الضفة، ولكن لا احد ينطلق من عندي ولا احد يرجع الي والا حاكمته وسجنته، اما اذا بقي هناك وعرفته فلسوف اقدم اسمه الى الاسرائيليين… فانا احترم توقيعي والتزم بالعهد معهم«.
وكان عليه ان يقضي على الانتفاضة بوصفها مركز استقطاب عموم الفلسطينيين في الداخل كما في الشتات… ولقد قضى عليها، وفكك حلقات الاتصال، ووشى بالناشطين كما بالمتبرعين والمنظمين:
»كنا في حالة حرب. اما وقد انهيناها فالانتفاضة لم يعد لها ما يبررها. لقد غدونا شركاء مع الاسرائيليين، وقتالهم يعني قتالنا، وعدوهم بعد اليوم هو عدو لنا. بدل ان يدفعوا على الارهاب والقتل فليدفعوا لنا من اجل الاعمار. ان القتال يعطل تحقيق اهدافنا. القتال تآمر علينا، ونحن من سيتصدى لهؤلاء المغامرين والهواة والمخربين«.
للمفاوضات على المرحلة الاولى ثمن، وللمفاوضات على المرحلة الثانية اثمان عدة. كلما طلبت قطعة جديدة من ارض فلسطين كان عليك ان تتخلى عن جزء كبير من فلسطينيتك. بقدر ما تثبت براءتك من الفلسطينية تصبح مقبولاً في »ارض اسرائيل«!.
ثم ان للمفاوضات على »قيام السلطة« خارج غزة ثمنا عربيا،
لا يكفي ان يخرج الفلسطينيون من فلسطينيتهم، وان تخرج منهم فلسطين، عليهم بمجموعهم ان ينقلبوا الى الخندق الآخر، وان يكونوا خط الدفاع الاول عن اسرائيل في وجه »جيرانها« العرب الذين ما زالوا يرفضون الاقتداء بالمثل الفلسطيني (او الاردني)…
ومطالبة ياسر عرفات بالجولان الفلسطيني، في هذه اللحظة السياسية بالذات، وبينما الضغط الاسرائيلي (والاميركي) في ذروته على المفاوض السوري، خروج على الوطنية باسم الكيانية وخروج على القومية تحت ستار الشوفينية!
انه يتقدم بصدره فداء للاسرائيلي!
انه يصل الى حيث لم يصل انطوان لحد!
واذا ما ابتعدنا عن التعابير الاخلاقية مثل »انه يطعن شقيقه في ظهره«، وبقينا في السياسة، فان هذا التصرف الاخرق هو تآمر على فلسطين قبل ان يكون غدرا بسوريا،
فهو يدرك انه كلما الح في المطالبة بالجولان الفلسطيني كان يعمل لتثبيت الاحتلال الاسرائيلي لكامل الجولان، واستطرادù للشريط المحتل في جنوبي لبنان،
لكأن عرفات يعمل لاجلاء الفلسطينيين عن فلسطين، ولاجلاء السوريين عن سوريا ولاجلاء اللبنانيين عن لبنان، وليس لاجلاء اسرائيل عن اي ارض عربية محتلة.
من فرط ببلده لن يكون اكثر حرصù على بلاد الآخرين الذين كانوا »اشقاء« ذات يوم، ثم استبدلهم بالسيد الاسرائيلي بوصفه ضمانة الدنيا والآخرة.
وكما ان الفلسطينيين لم يسلموا بهذا القدر الاسرائيلي وما زالوا يفجرون انفسهم فيه لإسقاطه، فإن سائر المحتلة ارضهم من العرب، وبالذات منهم السوريون واللبنانيون لن يزيدهم مثل عرفات الا اصرارù على التحرير الكامل، فمهما كان ثمن التحرير يظل »ارخص« من ثمن التفريط!
الارض أغلى من الزمن. وهي تنتظر اصحابها اذا ظلت في قلوبهم، مهما طال الغياب.

Exit mobile version