طلال سلمان

عرس في قصر

يجيء »العرس في القصر« في موعده تماماً، الأسبوع المقبل.. فرئيس الجمهورية يعيش حالة من الانتعاش بعد دهر من الضيق والتعثر وافتقاد النصير.
قائمة المدعوين الى أول حفل زفاف في القصر الجمهوري طويلة جداً، ليس فقط بسبب موجبات البروتوكول وفيها ما هو مربك أو محرج أو اضطراري، ولكن لأن أبواب هذا القصر الذي كان قليل الزوّار في حقبة »المساكنة« الاضطرارية مع الشريك اللدود في السلطة، شهدت في الأسابيع القليلة الماضية ازدحاما غير مسبوق، كما شهدت عودة لبعض »سيوف العهد« بعد غياب كاد يتحول الى قطيعة، وكادت السيوف تحول وجهة استهدافها!
لقد استعاد »الرئيس العماد« زمام المبادرة، أخيراً وها هو يعود أو يُستعاد الى موقع »المرجع« و»الأب الصالح« الذي يسعى إليه معارضوه قبل الموالين ليرعى »الحوار على الحوار« في ما بينهم، بعدما كان هو بالذات إلى ما قبل فترة وجيزة موضوع الحوار بل المستهدف به في الكثير من الحالات.
الفضل لأصحاب الفضل من أهل بيت الهاتف الخلوي؟!
أم الفضل لموجة التطرف التي أخذت بعض أطراف المعارضة أو الاعتراض في نشوة الانتصار على الخطأ التكتيكي في معركة المقعد الشاغر بالوفاة في المتن الشمالي، الى السقوط في هوة خطأ استراتيجي في معركة الغير، في لوس انجلوس، التي انكشفت طبيعتها تماما في مهرجان انطلياس، بما استوجب الفرز حتى داخل لقاء قرنة شهوان التي وجد المتلاقون فيها على اختلاف الأغراض، ان من يفترضون أنهم قد استخدموه كصندوقة أصوات يعاملهم وكأنهم جنود للجنرال في مشروعه الانقلابي… وكان عليهم أن يتلوا فعل الندامة بعد الاعتراف بالغلط، ولم يكن أمامهم غير القصر الجمهوري »مطهرا« حتى لا ينقلب الخطأ الى خطيئة مميتة.
لا مجال ل»حلف ثلاثي« جديد. لسنا في العام 1968، ولا تتسع دنيا التهديد الأميركي المفتوح المعزز بالإرهاب الإسرائيلي الدموي المفتوح، لمثل ذلك الترف… كذلك فإن الحقائق الديموغرافية تفرض نفسها، فضلاً عن الوقائع السياسية التي لخصها بمجملها أحد أركان المسيحية الجديدة بإعلانه، صراحة، ان »مسيحيي الأطراف لن يقبلوا، مرة أخرى، أن يكونوا جنودا للتطرف بقيادة من يرون أنفسهم أصحاب حق شرعي بالقيادة من زعامات جبل لبنان«.
بين تلك الوقائع السياسية المستجدة أن »المسيحي« قد صار هو »المعارضة« مفترضا ان »المسلم« صار في موقع »المهيمن على الحكم« وبالتالي فقد انقلب من معارض محترف الى »موالٍ« ليحمي »هذه السلطة« من »المغبونين« و»المحرومين« الجدد الأقوياء بعد في صلب النظام.
خلاصة الأمر ان المطالبين بالحوار الذين كانوا قد تجاهلوا »الرئاسة« طويلا، بل وتحدثوا عنها وكأنها »طرف« وليست »مرجعا«، وحاولوا جعلها بالتالي موضوع الحوار وهدفه، وجدوا أنفسهم مضطرين لأن يسلكوا الطريق الى بعبدا، مجددا، أقلة لتبرئة النفس من شبهة الوقوع في شبكة »الحرب على الإرهاب« بقيادتها المشتركة الأميركية الإسرائيلية، والتي تجاهر بالعداء لمجموع العرب والمسلمين وتنوي على سبيل المثال محاسبة السعودية، نظاما وأسرة حاكمة، قبل محاسبة سوريا، وبأقسى مما تعد لها من لوائح الاتهام..
الباب إذن مفتوح، يتسع للمحاور والمناور والمداور، للشاطر والمتشاطر، للآتي الى القصر حتى يمنع التمديد، والآتي إليه حتى لا يشطب اسمه من قائمة المرشحين المحتملين لرئاسة ما بعد »العماد«..
الدروب كثيرة وهي تنتهي جميعها الآن عند القصر الجمهوري: لمن يقصد الرئاسة درب، ولمن يقصد الرئيس درب، للآتي من دمشق درب، وللراغب في الذهاب إليها درب، للمتحدث منها أو باسمها درب، وللمتحدث إليها من أقرب نقطة الى أذنها درب… أما الانقلابيون فلهم »درب الصد ما رد«.
ماذا يميز القائلين بالحوار عن القائلين بالتشاور؟
ثم هل الحوار »مطلب مسيحي« فعلاً، وهل المشكلات التي تجعله مطلبا هي من الشؤون الداخلية لهذه الطائفة أو تلك، أم أنه تعبير عن وجود خلل سياسي في صلب جمهورية الطائف يستدعي إصلاحا جذريا يكاد يوازي »الانقلاب« على كل ما أقر واعتمد باعتباره من الثوابت الوطنية، في سنوات ما بعد إنهاء »التمرد«؟!
إذا صار القصر الجمهوري هو المقصد لأن الرئيس هو المرجع، فذلك يعني أن الخلاف إنما يتركز على أمور إجرائية وليس على الثوابت، من قانون الانتخاب الى قانون الأحزاب الى التقسيمات الإدارية، وربما على ضرورة تصحيح بعض »الأخطاء المادية« في بعض النصوص المحصنة بقوة الدستور..
في هذه الحالة لا مشكلة مع أي طرف، والمجلس النيابي مؤهل وقادر أو يجب أن يكون على التصحيح وإنجاز القوانين المطلوبة… فمتى عاد رئيس الجمهورية مرجعا، استعاد المجلس النيابي دوره، وهذا وذاك يحسمان من دور الحكومة الذي بدا طاغيا في مرحلة »الحريري الرابع« العجفاء..
في هذه الحالة تغدو الموازنة بتفاصيلها وبالآفاق التي تفتحها أو تقفلها، وصولا الى »باريس 2« هي القضية، باعتبارها عنوان الأزمة الأخطر: الدين العام وخدمته المهلكة..
وإذا كانت »باريس 2« لها من يرعاها، فمن الضروري تمرير الموازنة بأقل الخسائر الممكنة، وهذا أمر لم يتضمنه برنامج أي لقاء، لا كموضوع للحوار أو للتشاور.
ربما تم الإرجاء حتى لا يفسد على أهل العرس فرحتهم بأول زفاف يتم إحياء حفله في القصر الجمهوري الذي لم يشهد في تاريخه الكثير من الأفراح!

Exit mobile version