من زمان، لا يُذكر اسم عرسال الا في المناسبات المحزنة..
هي بلدة “حدودية”: وجهتها سوريا، لأنها تقع في طرف السلسلة الشرقية، وأهلها الفقراء لا مصدر للدخل عندهم الا الحجر العرسالي الذي يبني بهم الاغنياء الواجهات الرخامية لقصورهم وصالونات الاستقبال الفخمة التي يتباهون بأناقتها بل فرادتها..
قليل من الزراعة وأشجار الفاكهة المميزة، والتواصل مع “الاخوة السوريين” عبر الحدود القريبة، وعبر التعاون المفتوح لتحمل أعباء الحياة: إن هي ضاقت في الغرب السوري كما هي الحال هذه الأيام، جاء ابناء العمومة والاصهار من الارياف السورية إلى اقاربهم في عرسال، كما حصل في السنوات الأخيرة من الحرب في سوريا وعليها، فسيتقبلهم العراسلة وهم ابناء خؤولة او اصهار او فروع من العائلة ذاتها.
وأهل عرسال مقاتلون اشداء، منحتهم صخور ارضهم صلابتها،
ثم انهم يعيشون حرماناً وإهمالاً بلا نهاية..
وهم مثل حجارة ارضهم صلابة، ومثل حجارة ارضهم التصاقاً الارض وصمودها في الدفاع عنها.
ولعل عرسال قد قدمت في مواجهة العدو الاسرائيلي ومقاومته لتحرير ما احتله من ارض الوطن أكثر مما قدمت أي بلدة في لبنان.
انها بلدة الشهداء الذين قدوا من الصوان، وقاتلوا كما الفرسان واستشهدوا كما الابطال.
بالأمس شهدت عرسال استشهاد أحد مجاهديها الميامين لأسباب غير التي استشهد من اجلها رفاقه خلال مقاومة العدو الاسرائيلي.
وكان الحزن يعقوبياً..
لم يكن يملك الف ليرة يعطيها لطفلته التي جاءت إلى الحياة لتكمل مسيرة ابيها النضالية.. لكنها بعد اليوم، لن تتمتع بالحياة.
رحم الله هذا الشهيد مرتين: مرة بأنه سقط خارج الميدان، ومرة ثانية لأنه قد عرف من الحياة وجهها المعتم، وترك لأطفاله مع اليتم الحزن والذكريات الموجعة.. و”اعجابه” القاتل بنظام الموت اللبناني.