طلال سلمان

عرب ينادون لبنانيين استعيدوا وطنكم من اجلنا

ماذا تفعلون ببلدكم الجميل؟! بل ماذا تفعلون بنا أيها اللبنانيون المغفّلون؟! لكأنكم ارتددتم على أعقابكم إلى أسفل سافلين! لقد كان لبنان مقصدنا ونادينا، جامعتنا بل مدرستنا وكتابنا وصحيفتنا ومصرفنا وملاذنا الأثير، بل ملجأنا بعدما ضاقت بنا دولنا فطاردتنا بصفارة المتحكّمين فيها حتى طردتنا خارجها، أو ضاقت الدول ، لا سيما الأكبر والأقوى والأخطر والأكثر عدائية للإنسان، بأوطاننا فمزقتها وشرّدتنا وحوّلتنا إلى لاجئين غالباً ما نكون مرفوضين…
يتكرّر الهجوم عليك في أي لقاء عربي، ومن المطار إلى المطار يكون عليك أن تحاول الدفاع عمّا لا يدافع عنه من الأوضاع الخاطئة والمغامرات المتهوّرة والأحقاد المتعاظمة بحيث تسد الطرقات إلى الوطن..
يشترك في الهجوم نخبة من الكتّاب والمفكّرين، روائيين وبحاثة ومؤرخين ممن جمعتهم الدعوة إلى مؤتمر المعرفة الأول الذي نظمته المؤسسة الوليدة لمحمد بن راشد، في دبي، وقد بات عزيزاً عليهم التلاقي والتحاور بعد سقوط بغداد تحت الاحتلال الأميركي، وانطواء مصر على ذاتها، وتغرّب ليبيا، وتشطير فلسطين تحت الاحتلال وقد ذهب بكلها، وانطفاء أنوار بيروت التي صار القدوم إليها مغامرة خطرة، بل إن الاستماع إلى أخبارها يشكّل مصدراً للحزن والوجع بل القرف، على حد تعبير أحدهم..
يقول لك بعضهم: يا أخي ليس لديكم نقص في الرجال أو في الكفاءات، بل إن بلدكم الصغير بات يصدّر العقول والخبرات، وهذا الخليج شاهد ناطق بإماراته المختلفة. أنّى توجهت تجد المهندس لبنانياً والطبيب لبنانياً والمصرفي لبنانياً وبائع الأفكار والألحان والكلمات لبنانياً، فضلاً عن أن المغني ولا سيما المغنية من لبنان.. هل فرغت بلادكم من الكفاءات؟.. طبعاً لا، فلماذا تدوخون وتدوخوننا معكم في كل معركة رئاسية، وتنقسمون وتختصمون وكأن انتخاب رئيس جديد حدث كوني سيغيّر التاريخ والجغرافيا ومسيرة العالم؟!
ويقول لك آخر ممن يعرفون لبنان واللبنانيين جيداً: أصارحك القول إننا كنا نظن أن الطبقة السياسية في لبنان هي تجمّع لأسوأ اللبنانيين. إن انطباعنا عنهم، من خلال ما نشاهده من محاوراتهم على الفضائيات أو من خلال ما نقرأه في الصحف من تصريحاتهم، أنهم مجموعة من الانتهازيين والمرتكبين ولصوص المال العام، وبعضهم متورّط في مذابح جماعية، وبعض آخر يبشّر بلا تهيّب بالحرب الأهلية.. فما بالكم تندفعون في تأييد نهازي الفرص، هؤلاء، المتقلّبين والمنقلبين على أعقابهم بحسب مصدر الريح، السائرين في ركاب الدولة الأقوى، بغض النظر عن هويتها؟! أنتم، مَن نرى فيكم نوّارة العرب، أساتذتنا منذ قرن على الأقل، وفيكم مَن نرى فيه القدرة على التفوّق وإثبات الحضور في المجال الدولي… كيف فجأة تتحولون إلى قطعان؟!
يتدخل في الحديث أديب كبير فيقول بنبرة إشفاق: حرام ما تفعلونه ببلادكم. لقد دمّرتم سمعتها واستهلكتم رصيدها الممتاز. كنا نراكم أرقى العرب وأعرقهم علاقة بما يسمى النظام الديموقراطي. ولكنكم تثبتون الآن، ويوماً بعد يوم، أنكم الأقل إيماناً والأقل علاقة بالديموقراطية. ها أنتم في هذه اللحظة مجموعة من القبائل والعشائر والبطون والأفخاذ تتناحرون في قلب الطائفية.. بل لقد جاءتكم المذهبية فاندفعتم تتوغلون في أدغالها القاتلة فتدمّرون أنفسكم وبلادكم الجميلة؟!
تحس أن الحصار يضيق عليك، فتحاول أن تفكه بادعاء أن الأزمة هي نتيجة الصراعات، التي بعضها دولي وبعضها إقليمي، وأقلها داخلي، فيجيئك الرد اتهاماً جديداً: ولماذا تدخلون أنفسكم في دوامة الصراع تلك؟ هل تظنون أنكم مركز الكون فعلاً؟ بلادكم الجميلة مسرح صغير لا يكاد يتسع للوعول المتصارعة.. تواضعوا قليلاً، واهربوا بمشكلاتكم إلى الظل فحلّوها بأنفسكم، وإلا ذهبت بكم وببلادكم جميعاً!
ثم يعقد محاوروك المقارنة بين دبي حيث تلاقيتم، ومناسبة اللقاء، وبين بيروت وكم كانت هي الأولى بمثل هذه المناسبة الثقافية الممتازة، لو أنها تتمتع بعافيتها.

والمناسبة أن الشيخ محمد بن راشد المكتوم، الذي يشغل منصب نائب رئيس الدولة (الإمارات المتحدة) ورئيس مجلس وزرائها وولي عهد دبي، والذي اخترع لدبي مكانة دولية ممتازة وجعلها درة الخليج، قد انتبه إلى دور الثقافة والعلم في بناء الإنسان، فقرّر ونفذ: أعلن قيام مؤسسة محمد بن راشد بموازنة محترمة هي عبارة عن عوائد وقفية قيمتها عشرة مليارات دولار، للإنفاق على مشاريع المعرفة، ومن أجل الإسهام الفعال في بناء النهضة في مجتمعنا العربي..
كانت جمهرة المدعوين تضم نخبة من الكتّاب والمبدعين والبحاثة والشعراء، غالبيتهم من المشارقة لبنانيين ومصريين وفلسطينيين وعراقيين، معظمهم لا يجد من يرعى نتاجه، فمن تفرّغ للإنتاج مات جوعاً.
ولقد فاجأهم مشروع المؤسسة الجديدة بطموحه إلى إنتاج مكتبة عربية عالمية تأليفاً وترجمة، وإلى تعميم المكتبات في كل أرجاء الوطن العربي، ولا سيما في المدارس حيثما وجدت… ومع أن المشروع قد أسعدهم، مبدئياً، فإن ذلك لم يشغلهم عن مطاردة اللبنانيين منهم باللوم والتقريع:
اذهبوا فاستعيدوا وطنكم، من أجلكم ومن أجلنا! ارفعوا أصواتكم في وجه سياسيي الجحيم الذين يتعاملون مع لبنان كرهان على طاولة قمار دولية! ألم تعلّمكم تجاربكم أن الأقوياء يتصارعون لكنهم متى تحقق كل منهم من ثبات الآخر بادر إلى عقد الصفقة معه! أنتم بند من الصفقة الكبرى. نرجوكم احفظوا لنا لبنان! نرجوكم لا تضيّعوا علينا ملاذنا وملجأنا الأخير! نرجوكم أحبوا بلادكم وقفوا في وجه هذه القيادات المتهوّرة التي لم يتورّع بعضها عن الوقوف مع العدو الإسرائيلي، خلال الحرب على لبنان، من أجل منصب أو نفوذ، وعلى حساب شعبه!
[ [ [
أعرف أن هذه الكلمات لن تجد صداها المطلوب عند المعنيين ، ولكنني أنشرها بحكم واجب الشهادة: وها أنا قد بلّغت اللهم فاشهد!

Exit mobile version