طلال سلمان

عراق طلاق اخر

لأخبار السلطان الأولوية دائمù، لا سيما إذا كانت مفرحة،
ثم ان »العرض« أهم من الأرض، على قداستها، أو بالتعبير البدوي الشائع: »بالأرض ولا بالعرض«…
وأمس، دوّت البشرى التي أطلقها »تلفزيون الشباب« في بغداد لصاحبه عدي صدام حسين في أرجاء المعمورة: لقد استعادت الأسرة الحاكمة وحدتها وعرضها سليمù من أي أذى، أما الصهران الخائنان فإلى الاعدام وبئس المصير!
ومؤكد أن الفرحة بعودة الشقيقتين »رغد« و»رنا« قد شغلت »ولي العهد« عن الانتباه إلى أن »رعاياه« العراقيين يمضغون أحزانهم المعتقة في الذكرى الخامسة للهزيمة الساحقة التي مُنيت بها بلادهم العظيمة فمزقتها شر تمزيق، بذريعة غزوة والده الحمقاء للكويت.
مؤكد أيضù أن أولئك »الرعايا« البؤساء كانوا يتمنون لو أن البلاغ المبين جاء بشرى برفع حصار التجويع المضروب على العراق،
.. أو عن توفير الدواء وأسباب الغذاء للأطفال العراقيين الذين يموتون جماعيù وعلى مدار الساعة، من دون أن يستطيع أهلهم المسحوقون بالعوز التخفيف من آلامهم أو إنقاذهم من الموت جوعù لافتقاد الحليب،
… أو عن استعادة وحدة التراب العراقي التي قطَّعتها قوات الاحتلال الأجنبي وفق خطوط الطول العِرقية وخطوط العرض الطائفية، فصار »الشمال« نواة »لدولة« كردية مستحيلة، و»الجنوب« هباءً منثورù وأرضù مفتوحة، بكوفته ونجفه وكربلائه والبصرة والأهوار التي كان الشعراء يرونها »فينيسيا« ويرون في »مشحونها« غندولاً أجمل من ذلك الموشوم فوق البطاقات البريدية الإيطالية،
* * *
العائلة الحاكمة أهم من الشعب كله،
وهيبة الصنم المقدس نفسه أهم من الوطن بأرضه وناسه ودولته والمؤسسات،
لا أحد يهرب من الإرادة القدر،
لا أحد يستطيع أن يهزأ بسليل الآلهة كلي القدرة، حتى لو كان ملكù وهاشميù كحسين الأردن الطامع الآن بعرش العراق بعدما خابت آماله »العراقية« باستعادة عرش جده الآخر في الحجاز!
أما وقد انتهت »اللعبة« بالفشل فليدفع العرش الفاشل الثمن من رصيده أو من وجوده.
لا توبة للمنشق عن الأسرة،
ومحاسبة ابني العم الصهرين الشقيقين تتجاوزهما إلى من حرّضهما وخطّط معهما ثم حماهما ووظفهما ضد ولي نعمتهما ونعمة العرش الأردني أيضù على امتداد عقد من الزمان أو يزيد،
و»الطلاق« الآخر بين »العرشين« العراقي والأردني لا بد من أن تترتب عليه نتائج درامية مماثلة لتلك التي لم تعرف بغداد تفاصيلها وإن كانت تستطيع تخمينها بالتقدير والسابقة!
* * *
ليس من حق الشعب أن يدخل القصور، لا من أبوابها ولا حتى من سلم الخدم.
الشعب في الخارج: يسمع البلاغات فيصفق. لا يسأل. لا يدقق. يطلق الرجال النار وتزغرد النسوة وتنعقد حلقات الدبكة ويصور التلفزيون الفرحة والهتافات بالألوان، ثم يعود كلٌ من حيث جاء يتقدمه الحلم برغيف ومسكن ودخل يكفيه شر الحاجة.
لماذا »هرب« حسين كامل ومَن معه إلى النعيم الهاشمي في الأردن؟
لا أحد يدري،
لماذا »عاد« حسين كامل إلى جحيم حميه صدام حسين في العراق؟
لا أحد يدري،
ماذا سلَّم حسين كامل من أسرار العراق، العسكرية أو العلمية أو الاقتصادية، إلى المخابرات الأردنية والسعودية والأميركية (والإسرائيلية بطبيعة الحال)؟!
لا أحد يدري،
ماذا قال حسين كامل وشقيقه في بغداد بعد عودتهما من عمان؟!
لا أحد يدري،
»الآخرون« يعرفون. أما أصحاب العلاقة من عراقيين وأردنيين وعرب عمومù فلا يعرفون شيئù.
يسمعون ما لا يصدقه عقل، ويغرقون في التخمينات، وكلها بوليسية تختلط فيها الخرافة بالأسطورة والحقيقة بالحبكة القصصية الساذجة ينسجها خيال مكدود لشدة ما تحاصره الأكاذيب.
* * *
ها نحن نتقدم، فتنافس أسرنا الحاكمة الملكيات العريقة في أوروبا بفضائحها المسلية،
الفارق أنهم هناك يدفعون ثمن فضائحهم الشخصية من حقهم في الحكم… الدستوري!
أما هنا فالشعب هو الذي يدفع دائمù ثمن الفضائح جميعù: السياسية العسكرية الوطنية والشخصية الأخلاقية والمالية، من أرضه ورزقه وكرامته وحقه في حاضر كريم وغد أفضل.
… وتبقى نتائج الاستفتاء في انتخاب صدام حسين رئيسù: مئة وخمسة في المئة!
مَن يعيد إلى العراق العراق؟! مَن يقرِّر »الطلاق« الآخر الضروري لكي يستعيد العراق ذاته؟!

Exit mobile version