طلال سلمان

عراق حصار بين موتين

على الطريق
العراق: حصار بين موتين!
***
قدّمت الولايات المتحدة الأميركية تزكية جديدة لصدام حسين يمكن أن تشكّل مبرراً إضافياً لإدامة حكمه العراق.
لقد »عيّنت«، بداية، المخابرات المركزية الأميركية بديلاً من شعب العراق، وليس مجرد وصي عليه.
ثم إنها »عيّنت« صدام حسين بطلاً وطنياً وعراقياً، بل وبطلاً قومياً عربياً، له من الخطورة ما يستوجب التآمر عليه لخلعه.
وأخيراً فهي قد عيّنت »أبطال الخيانة« من بين القوى التي تعمل في كنفها »لتحرير العراق« بتمويل وتسليح مباشرين من »فوائض وزارة الدفاع الأميركية«.
أما الشعب العراقي فقد عيّنته »ضحايا« لصراع الأبطال المتنافسين على »تحريره« وصيانة كرامته وضمان القيم الديموقراطية وحقوق الإنسان ووحدة أراضي وطنه.
إنها غارات أميركية جديدة تستهدف، هذه المرة، شعب العراق بالذات، وليس فقط المنشآت والمقار الحزبية والقواعد العسكرية والمستشفيات والجسور والمساكن الخ..
وهي غارات ستتولى إنزال القيادة الجديدة للعراق بالمظلات، وفي حماية حاملات الطائرات والصواريخ العابرة القارات وقذائف الأعماق!
وسيكون الأمر غاية في السهولة، فليس على شعب العراق أن يختار إلا موته فقط: هل بمدافع النظام، كما جرى لانتفاضة »الجنوب«، واعتراضات »الشمال« وتململات »الوسط«، أم بمدافع هؤلاء الآتين من الشتات السياسي والضياع الفكري والانهيار الوطني واليأس القومي والإحباط الديني، والذين تحوّلوا مع الانقطاع عن شعبهم وابتعادهم عن همومه إلى ما يشبه شذاذ الآفاق أو جنود الفرقة الأجنبية الذين يقاتلون لحساب غيرهم، حتى لو كان هذا الغير هو عدو الأرض والوطن والشعب والدين.
وإذا ما نجح الأمر فسيكون العراق ثاني بلد عربي، بعد فلسطين، تتولى إدارته مباشرة المخابرات المركزية الأميركية.
وثمة مشترك آخر سيكون بين الشعبين الممزقة وحدتهما والمغلولة إرادتهما والمضيَّع مستقبلهما: تلك هي »العلاقات السلمية« مع »الجيران«… أي مع إسرائيل حصراً.
فالجماعات العراقية السبع المؤهلة أميركياً، ملتزمة »بالقيم الديموقراطية وحقوق الإنسان ووحدة أراضي العراق وعلاقات سلمية مع جيرانه«…
والنص صريح في إشارته إلى إسرائيل، … إذ لن تكون الكويت أو السعودية أو الأردن أو حتى سوريا وإيران، هي المعنية بهذا السلام الموعود، بل لا بد من أن تكون إسرائيل، وإلا فلما تحمّست الإدارة الأميركية ولما دفعت المخابرات المركزية الأميركية، ولما سلّحت وزارة الدفاع الأميركية.
ماذا يريد صدام حسين أكثر من هذه البراءات لوسام التزكية الأميركية الجديدة؟
لكأن واشنطن التي أوقفت إغارات طيرانها الحربي على العراق قد باشرت بمخابراتها وأقنعتها ممثلة بالجماعات العراقية السبع، إغاراتها السياسية (وهي أقسى وأكثر وحشية) على شعبه بالذات.
لقد ثبّتت عليه حاكمه الحالي من خلال تعيينها حكّامه الجدد (الأسوأ منه؟!).
وللإنصاف، فليس كل مَن انتمى إلى تلك الجماعات السبع، بل وربما ليست جميعها من عملاء المخابرات المركزية الأميركية.
وربما قصدت واشنطن، أيضا، ضرب الأمل بقوى التغيير عموما، وببعض الرموز التي لها وجودها الفعلي في ضمير العراقيين، على وجه الخصوص.
لكن التهمة أبشع من أن تُرَد،
أما الحكم فأفظع من أن يُقبَل: إنه حكم بإعدام العراقيين من خلال محاصرتهم بمرفوضَين أو بطريقتين للموت في ظل اليأس العربي العميق.
طلال سلمان

Exit mobile version