طلال سلمان

عدوان تدمير شامل

مع هذا العدد، الرقم 9455، تدخل »السفير« سنتها الثلاثين.
لا مجال للحديث عن »عيد«.
فالطائرات وصواريخ التدمير الشامل، الأميركية البريطانية الإسرائيلية، تطارد حتى القتل حق الحياة وفرح الأعياد، على امتداد هذه الأرض العربية، من غزة بني هاشم الفلسطينية عند تخوم مصر، إلى البصرة عند التخم الإيراني فإلى أعالي الشمال العراقي المحاذي لتركيا، بينما نجيع شهداء التحرير ما يزال طرياً ينثر أريجه في أرض لبنان المقاوم حتى النصر بإجلاء الاحتلال الإسرائيلي.
»العيد« مرجأ في كل هذه الأرض العربية الفسيحة التي لم تكد شعوبها تستكمل شروط استقلالها السياسي وتباشر بناء »دولها« حتى عادت القوى الاستعمارية التي بالكاد قد خرجت منها، تحاول فرض هيمنتها احتلالاً مباشراً بحروب الإبادة الجماعية كالتي شهدنا وما نزال نشهد فصولها الدامية في فلسطين، أو كهذه التي تستهدف العراق الآن.
وقد كنا نقدّر أن عصر الاستعمار قد ولّى إلى غير رجعة، فإذا بجديده أعتى وأشرس من قديمه… فهذا الجديد (الأميركي) أعظم قدرة على تسخير مبتكرات العقل الإنساني وإبداعات الثورة العلمية في قتل الشعوب واغتيال حقها في بناء مستقبلها بإرادتها وبمواردها والعيش بسلام فوق أرضها.
وبرغم جبروت القوة فقد تعذر على الإدارة الأميركية المتصهينة أن تزوّر طبيعة هذا العدوان المدمر الذي تشنه على العراق، فتحرق أرضه وبيوته وتقتل أطفاله ونساءه ورجاله، وتغتال فيه الشعر والموسيقى والغناء، والجامعات والمعاهد والمصانع، وتحاول مصادرة العقول.
لم ينجح الدهاء البريطاني في تزوير هوية »الكاوبوي« الأميركي، الذي لا يتقن غير لغة القتل.
ولم ينجح »التحاق« بعض الدول الفقيرة، وبثمن بخس، بهذا العدوان، فوقف العالم بالأكثرية الساحقة من شعوبه ودوله، يرفض كل محاولات التزوير والتمويه والمخادعة التي جرت لإظهاره كأنه »عمل دفاعي« أو على أنه يأتي في سياق »الحرب على الإرهاب«.
فشلت، كذلك، كل الضغوط التي مورست على عدد من الدول العربية للالتحاق بالمعتدي، بمحاولة توظيف »ثأر قديم« لتبرير عدوان وحشي كاسح يتجاوز النظام إلى تدمير العراق كله، شعباً ودولة، أرضاً وتاريخاً، ومن ثم إلى استرهان هذه الأرض العربية، بثرواتها ومقاديرها، من أقصاها إلى أقصاها لا فرق بين »ملتحق« ورافض للاستسلام.
بالمقابل، ها هو العراق يقاوم ببسالة، من ادنى أرضه، الى اقصى ارضه…
تماماً كما يقاوم شعب فلسطين بالسلاح الوحيد الذي يملكه: دمه!
لقد فرض هذا العدوان الاميركي البريطاني الاسرائيلي على الأمة العربية جميعاً، ان
تتنبه الى خطورة ما يدبر لها، فهبت جماهيرها من اقصى المغرب الى اليمن جنوباً، تعلن وعيها بأنها جميعاً مستهدفة بهذا العدوان، وتنذر انظمتها المتخاذلة والهاربة من ميدان المواجهة بأن حسابها سيكون عسيراً.
لقد عادت الجماهير العربية الى الشارع، فعادت الروح الى الأمة.
… عادت تحاول استعادة حيويتها وقدرتها على الفعل، مستفيدة من هذا الزخم العظيم في الاعتراض على العدوان ورفض الهيمنة الاميركية الذي اندفعت جماهير الدول في اربع رياح الارض إلى الشوارع تحرق دمى تمثل جورج بوش وتابعه طوني بلير، وتدين العدوان الاميركي، وتفضح الطبيعة الاستعمارية لهذا العدوان.
ان كل العالم في الشارع الآن يقول: »لا« مجلجلة، ضد هذا الطغيان الاميركي، وضد هذا التجبر الاميركي، وضد هذه المحاولة الاميركية المعلنة للتحكم بمصير الشعوب في العالم كله.
***
العيد مرجأ،
وفي انتظار ان يأتي زمن »العيد«، ستواصل »السفير« تقديم جهدها المتواضع في خدمة قضايا امتها، لكي تكون حقاً: »جريدة لبنان في الوطن العربي وجريدة الوطن العربي في لبنان«.
.. ولكي تكون ايضاً: »صوت الذين لا صوت لهم«، وهم الاكثرية الساحقة من أبناء هذه الامة التي تكافح من اجل انتزاع حقها في الحياة، وغالباً ما يفرض عليها ان تنتزعه بدمها، وهو اعظم اسلحتها وأقدرها على الفعل.. بل إنه أحياناً سلاحها الوحيد!

Exit mobile version