اتصلت، على عكس المألوف تطلب موعداً، تعب في طلبه من دون أن يلقى غير التشويق، مرة بذريعة كسور أصابتها في ساقيها، ومرة بذريعة الإنشغال وفي مرات كثيرة يبقى الهاتف أخرس ولا جواب..
دخلت برفقة صديقة ممتلئة، وطويلة أكثر من المتوقع، وذات لسان ذرب لا يهدأ لحظة في حلقها إلا ليستأنف الكلام المطلق في أي موضوع..
جلست صامتة تستمع الى حوار لا يعنيها كثيراً، لا هي تعرف كيف تشارك فيه، ولا تجد ما تقاطع به لتأخذ الحديث الى مجال آخر..
وكان يتساءل، في سره، لماذا أتت بهذه الثرثارة لتفسد موعدها معه؟ ان كانت لا تقصد هدر الوقت فقد أخطأت، وان هي كانت تلعب دور الوساطة لتعريفه بغيرها فقد هانت عليها نفسها وهان عليها ذوقه فضلاً عن وقته.
لا بأس، سيرجئ العتاب حتى تسدد كلفة الخطأ بشفتيها والحضن!
ولكنها طالما جاءت حاملة بعض الهدايا الرمزية..
.. ولعله أخطأ فهم “الحركة” حين جلست على كنبة مركونة خلف الباب، لا يستطيع أن يكتشف وجودها إلا من يصير داخل الغرفة..
كانت تحمل هدية واضحة الدلالة: زجاجة خمر..
.. ولكنه انشغل “بالأمر”، وتصرف كمضيف مهذب.. فلم يقترب منها، ولم يغازلها، بل لم يحاول ملامستها أو تقبيلها لا عند دخولها ولا مع الوداع..
حين غادرت كانت الابتسامة قد اختفت في قلب التجهم وخيبة الأمل.
كيف لا تريدها أن تغضب، وأن تبتعد ولو لوقت غير قصير..
ثم جاءت مرة أخرى وكانت متشوقة تتقدمها رغبتها في الاحتضان والشم والضم والقبلات والتنهدات.. وجلست مرتاحة الى تلبيته ما ترغب فيه وتطلبه باشتياق عظيم تركته يعبث بجسدها جميعاً، مستجيبة لحركة يديه في فتح أزرار الفستان مكشوف الصدر..
فجأة هتفت متنهدة بعمق، باسم حبيبها الذي غاب..
.. ووجد نفسه ينشغل بإعادة ترتيب هندامها، لكي يستر ما كان مكشوفاً ومتاحاً للرغبة المفتوحة، قبل قرارها بإغلاقها باستذكار الغائب الذي لن يعود.