طلال سلمان

عباس جسار مدرســة البــلاد

كيف تودع الرجل ـ المدرسة؟احتشد الجمع من خلف نعش الرجل الطيب الذي عرفته »بلاد بعلبك«، »معلماً« ساعد جيلين او ثلاثة من أجيالها على الانتصار على الأمية والجهل، فعرفوا القراءة والكتاب، وتعلموا اصول الدين بعيداً عن التعصب، وأخذوا عنه حب الناس واللسان الدافئ الذي لم يتناول احداً بسوء، على امتداد عشرتهم الطويلة معه.الرجل الطيب عباس جسار، ابو مصطفى، الذي شارك الناس في أفراحهم بصوته الجهوري الرخيم، فقرأ الموالد، وفي أتراحهم فأحيا مجالس العزاء، وخاض في المبارزات الشعرية، زجلاً وقريضاً، عتابا ومعنّى وقصيداً، فأطرب وأبكى مشاركاً أهله في كل حال.من بوداي الى بيت شاما، مروراً ببيت مشيك والنبي رشادي وطاريا وصولاً الى كفردبش وحوش الرافقة كان عباس جسار هو المدرسة المتنقلة، يجول بين هذه القرى، يحتضن ابناءها، كباراً وصغاراً، فيجلس إليهم ويقرأون عليه، فيصحح القراءة عبر إنشاده الشعر الذي حفظ الوجدان، او عبر تلاوته القرآن الذي جمع فأوعى…رحل عباس جسار، الذي انشأ عائلة تميز أفرادها بطلب العلم، واخذوا عنه حب الناس، وحب المعرفة… وبعضهم اخذ عنه ايضاً الصوت الجميل.لكن »أبو مصطفى« ظل مثلاً فريداً للعطاء، بلا منة… وبرغم انه عاش الفقر فإنه حافظ على كبريائه وعلو نفسه واستعداده لأن يقدم للناس ما يعرفه بلا منة، مفترضاً ان اجره على الله وهو خير مرجع.رحم الله الحاج عباس جسار الرجل الذي احب كل الناس فأعطاهم من علمه ومن صوته ومن قلبه وأعطوه محبتهم وودّعوه بما يستحق من إكرام وتبجيل، عملاً بتوصية أمير الشعراء احمد شوقي.

Exit mobile version