طلال سلمان

عام بأية حال عدت يا عام: حتى لا يضيع غدنا العربي..

بعد قرن كامل (1920 ـ 2020) من إنشاء الكيانات السياسية الجديدة في المشرق العربي، بعد سقوط السلطنة العثمانية (ومعها المانيا) في الحرب العالمية الأولى، دار الفلك بالمشرق العربي دورة كاملة فإذا به يعود في الاحتلال الغربي ( بريطانيا وفرنسا) كلياً، بأقطاره الاصلية، مقطعة بكيانات مستحدثة “غب الطلب”.

لم يقدر للأقطار التي قطعت اوصالها فجعلت “دولا” عدة رسم خرائطها الاجنبي (الفرنسي والبريطاني، بداية) مقتطعة منها، ضمناً، فلسطين لتكن ارض الكيان الاسرائيلي، الملحوظ ضمنا في معاهدة سايكس ـ بيكو التي قسمت “المشرق” بين بريطانيا وفرنسا.

تم ذلك، طبعاً، قبل أن تمد الهيمنة الاميركية ظلالها على مساحة اوسع اذ ضمت إلى لبنان وسوريا والاردن والعراق ودول شبه الجزيرة العربية: الكويت والسعودية ثم الامارات العربية المتحدة وصولاً إلى قطر..

كان التقطيع الاول يمهد لاستيلاد الكيان الاسرائيلي على ارض فلسطين، اما كيانات شبه الجزيرة فقد كان مبرر استيلادها النفط ومعه الغاز.

على أن الولادات القيصرية لهذه الكيانات التمهيد العملي لاستيلاد الكيان الصهيوني (اسرائيل) على ارض فلسطين العربية، التي كانت تحت الانتداب البريطاني، فقدمت “هدية مذهبة” للحركة الصهيونية لتقيم فوقها الكيان الاسرائيلي، بعد هزيمة مذلة للدول العربية التي كانت ما تزال طرية العود ولم تستكمل اسباب حياتها بعد (ايار 1948).

اما اليوم وبعد كل الثورات والانتفاضات والانقلابات العسكرية التي أسقطت ملوكاً (فاروق في مصر والعراق)، وبعد الاحتلال الاسرائيلي الذي “وسع” مساحة امارة شرقي الاردن، اذ ضم الامير عبدالله ابن الشريف حسين، مطلق الرصاصة الأولى (والاخيرة) في “الثورة العربية الكبرى”، ما عجزت عن ابتلاعه اسرائيل، أي الضفة الغربية لنهر الاردن، ولكنها ستعود لتبتلعها بعد الهزيمة العربية في فلسطين، بعد أن كان الامير عبدالله قد صّير نفسه ملكاً قبل أن يقتله بعض الثوار الفلسطينيين بتهمة المخادعة والافادة من تضييع فلسطين ليشارك الاسرائيليين فيحول امارته الهاشمية إلى مملكة.


هذا في التاريخ الذي حاولت بعض الانتفاضات والثورات العربية تغييره او إعادته إلى سويته بما يحفظ شرف هذه الأمة… لكن المحاولات قد أخفقت، وها نحن ـ في المشرق، خاصة ـ أمام مجموعة من الكيانات التي صيرت دولاً مهددة في وجودها او ممزقة كياناتها، يغير عليها طيران العدو الاسرائيلي متى شاء، ويتقدم “السلطان” اردوغان لاحتلال بعض الشمال السوري بذريعة “مطاردة الاكراد المتمردين”، خارج نطاق “سلطنته” بينما تتقدم قوات اميركية لاحتلال منابع النفط في شرقي سوريا ( بجوار دير الزور، والامتداد الصحراوي).

أما العراق الذي دمره عهد صدام حسين “مستدعياً” الاحتلال الاميركي بعد مغامراته العسكرية القاتلة ضد إيران (الحرب التي دامت من ايلول 1980 حتى اب 1988، أي لأكثر من سبع سنوات طويلة، ثم غزوه الكويت في 1 اب 1990 التي انتهت بالإحتلال الاميركي لكامل ارض السواد في منتصف نيسان 2003).

وأما سوريا فقد مزقت دولتها القوية الحروب المتواصلة فيها وعليها فاستضعفها “السلطان” اردوغان، وتقدم ليحتل بعض شمالها، في حين حاول الاكراد الاستقلال، ولو تحت ستار الحكم الذاتي في بعض الشرق، موفرين الفرصة للتقدم نحو منابع النفط شمالي دير الزور.


المشهد العربي في هذه اللحظة غاية في البؤس:

فالأخوة الاغنياء يتواطؤون ويتآمرون على اخوتهم الفقراء، فيحتلون بعض اقطارهم (السعودية والامارات في اليمن) متسببين بإضعافها بل بتمزيق وحدة كيانات، كما في اليمن، والى حد ما في العراق وسوريا.

وفتح هؤلاء “الاخوة” قصورهم في عواصمهم للقاءات علنية، او سرية، مع قادة العدو الصهيوني، ونتنياهو على وجه التحديد مع التعهد له بالاعتراف، قريباً، بالكيان الذي أُقيم على حساب وحدة الامة العربية عبر احتلال فلسطين وتحويلها إلى “دولة اسرائيل”..

أما مصر فقد عزلت ذاتها خلف حدودها بعد مصالحتها العدو الاسرائيلي واقامة العلاقات الدبلوماسية معه، واخذت تبادله اقتصادياً فتبيعه من غازها، ثم تشتري من غازه بعد اكتشافه قرب الشاطئ اللبناني واستثماره بينما لبنان ما زال ينقب في قصور حكامه وزعاماته عن حكومة!


بعد مائة عام من نشوء او استيلاد دول المشرق قيصريا، تبدو اوضاع هذه الدول بائسة، وكياناتها مهددة، تكاد تكون بمجملها خاضعة للهيمنة الاميركية، مفقرة لان ثرواتها منهوبة (من الداخل كما من الخارج..)

..وها هو لبنان الذي كان يقدم “كيانه” كنموذج للنجاح، ويتخذه اهل النفط والغاز العرب مصيفاً ومنتجعاً ودار لهو وراحة، يعاني ازمة اقتصادية خطيرة تدفعه إلى حافة الفقر.. ويعجز نظامه عن تشكيل حكومة جديدة. وتنهار عملته امام الدولار، وتحجز المصارف ودائع زبائنها بذريعة مقاومة الافلاس اذا تزاحم اصحاب الودائع امام ابوابها..


هل عليَّ الاعتذار عن تقديم هذه الصورة البائسة عن اوضاع بلادنا ونحن نستقبل العام 2020؟

ولكن الحقيقة تفرض التدليل على مكامن الخطر على المستقبل العربي. وهذا ما حاولت تقديمه في هذه الكلمات.

وكل عام وأنتم بخير.. ولتكن سنتنا الجديدة أفضل من سابقاتها.

تنشر بالتزامن مع السفير العربي

Exit mobile version