طلال سلمان

ظلم ذوي قربى عدل مفقود في مجلس امن

اليوم بالذات، وعبر ما سوف يشهده مجلس الأمن الدولي من مناقشات ومناورات وتواطؤات، ستتبدى، مرة أخرى، خطورة الجريمة التي أودت بحياة الشهيد رفيق الحريري، ناهيك ببشاعتها.
سيتحوّل تقرير لجنة التحقيق الدولية، بكل ما يتضمنه من فضائح ومخازٍ، واستهانة بحياة الناس، قادة ومواطنين، إلى مناسبة ممتازة يفيد منها كل من يرغب في التشهير بالعرب عموماً، وعجزهم عن قبول بعضهم البعض، كحلفاء بالضرورة أو أصدقاء بالرغبة، أو شركاء في المصالح، وإن اتخذ الآخرون من العلاقات اللبنانية السورية نموذجاً، وهي التي كادت تكون بالفعل ذلك النموذج المطموح إليه لولا أن بحر الغلط قد ابتلعها ثم كاد يغرقنا جميعاً.
إن مجلس الأمن، في ظل التحولات الدولية التي نعرفها جميعاً، لم يعد الملجأ والملاذ للشعوب الضعيفة، بل تحوّل إلى منصة لإطلاق الغارات الأميركية ضد من يخطر بباله مواجهة مصالح إمبراطور الكون..
لكننا، نتيجة لتراكم الأخطاء، نذهب إلى هذه المصيدة بأقدامنا، ونزوّد من كنا نحذرهم ونخاف من تدخلهم بالذرائع التي تبرّر لهم أن يحاكموا »العرب« عبر هذا النظام أو ذاك، كي يبرّروا احتلال بلادنا أو وضعنا تحت وصايتهم لأننا لا نعرف كيف نحافظ على مصالحنا بل وعلى حياة رجالاتنا.
ولسوف يكون تقرير المحقق الدولي ديتليف ميليس مناسبة ثمينة وفريدة في بابها لإظهار أن العرب العاجزين عن مواجهة أعدائهم الفعليين إنما يأكلون لحومهم ويقتلون المخلصين من قادتهم، فمن أين لهم الحق بالاستقلال، ومن أين يمكن أن تأتيهم الديموقراطية؟!
سنكتشف اليوم، فوق هذا كله، أي رجل خسرنا، كعرب وليس فقط في لبنان! فمَن هو بقدرة رفيق الحريري، وبحيويته الفائقة، وبغناه في علاقاته الدولية التي طالما استثمرها في منع اعتداء أو في اجتياح أو في تخفيف الضغوط عن هذا البلد العربي أو ذاك، وسوريا أولاً وأساساً… ألم يكن الرئيس الراحل حافظ الأسد يعتبره الوزير الممتاز لخارجية سوريا؟!
سنكتشف حجم الخسارة أضعافاً مضاعفة: خسارتنا في لبنان، وخسارتنا في سوريا ومعها، وخسارتنا كعرب عموماً.. فليس العرب عظيمي الثراء برجال من وزن رفيق الحريري وشبكة علاقاته الدولية التي وضعها دائماً في خدمة القضايا العربية، وفي خدمة سوريا على وجه التحديد.
إذاً، فهي ليست مناسبة للفرح، ناهيك بالشماتة، أن يتواجه لبنان مع سوريا في مجلس الأمن، وأن تنصّب الدول التي لم يُعرف عنها الإعجاب بالعرب عموماً، نفسها قضاة يفصلون في المنازعات بين الشقيقين التوأمين.
لا بد من أن يكون حجم الغلط هائلاً كي يصبح مجلس الأمن بهذه النسبة أو تلك المرجعية التي يتواجه أمامها لبنان، في موقع الضحية، وسوريا في موقع المتهم بالقتل أو المشتبه في تورطه أو تدخله في الجريمة التي أودت بحياة رفيق الحريري، وأصابت في البلدين المتكاملين مقتلاً!
وليس أمراً بغير دلالة أن يكون مجلس الأمن قد انهمك، خلال الشهور الثلاثة عشر الأخيرة، بأمر »محاسبة« سوريا، انطلاقاً من أخطاء ممارساتها في لبنان، على الصعيد السياسي، بداية، ثم على الصعيد الأمني.. وكل ذلك تبرعاً وبغير ما طلب رسمي أو شكوى تقدمت بها الحكومة اللبنانية.
فلا تحتاج نوايا الإدارة الأميركية إلى جهد لكشفها أو لفضحها، فالحرب على سوريا سياسة رسمية معلنة ومعتمدة… وواشنطن كثيراً ما سبقت إسرائيل ونابت عنها في الهجوم على دمشق مرة بسبب موقفها الفلسطيني، ومراراً بسبب اعتراضها على الاحتلال
الأميركي للعراق، وأخيراً من أجل لبنان وبسببه.
ولقد كان لبنان، في سنوات رفيق الحريري، رديفاً لسوريا وخطاً أمامياً في الدفاع عنها، يناصرها وينصرها ويساندها ويكلف نفسه، حتى لو لم تكلفه، بالتصدي للحملات المتجنية على ما كان يعتبره »صموداً«.
ولن يكون أمراً مفرحاً للبنانيين أن تتلطى واشنطن خلف »ظلم ذوي القربى« كي تصعّد حربها ضد سوريا لأسباب غير لبنانية بالتأكيد، وإن كانت الجريمة تقدم ذريعة هائلة لتجديد هذه الحرب ولو بتزوير عنوانها.
ويمكن سلفاً أن نتصور مشهد »الأميركي البشع« جون بولتون وهو يصول ويجول بطلب الثأر لدماء رفيق الحريري، كأنه من ذوي قرباه، بينما سوريا محشورة في زاوية الاتهام بالتستر على الجريمة أو بالعجز عن منعها، إن لم يطاولها الاتهام بالمشاركة فيها.
إننا نطلب الحقيقة. إننا نطلب العدل، لا الانتقام، كما قال سعد الحريري.
وليس مجلس الأمن هو مصدر العدل في هذه اللحظة، وفي هذه القضية بالذات… لكننا لا نستطيع منعه من أن يتناولها، ومن أن يحقق عبرها كل طرف مخاصم للعرب أغراضه.
وتبقى المسؤولية على مَن تسبّب في هذا الوضع المخزي الذي نرى أنفسنا في أسره، والذي سيدفع الشعب في لبنان، والشعب في سوريا أيضاً، بعض أكلافه الثقيلة.

Exit mobile version