طلال سلمان

طلال سلمان – ناشر جريدة السفير

زاهي وهبي: مساء الخير. حلمٌ جديدٌ تبتكره جريدة “السفير” في عيدها الأربعين، متطلّعةً إلى أربعين أُخرى من الأماني والأحلام السِمان التي عساها تتحقّق ولا تنكسِرُ على صخرة واقعٍ مرٍّ ومرير. و “السفيرُ” بالنسبة لي ولكثيرين من أبناء جيلي هي أكثر من صحيفة، هي منبرٌ ومعبرٌ وصوتٌ مرتفِعٌ في أوقاتٍ كثيرةٍ صمتَ فيها الكثيرُ من الأصوات. الجريدةُ التي ترفعُ شعار “صوت الذين لا صوت لهم” حاولَت على الدوام أن تكونَ صوتاً للمستضعفين والمقاومين والصامدينَ والصابرين، وكتبت مسيرتها بالحبر الممتزِجِ بالعرقِ والدماءِ والدموع. مع مؤسسها وناشرها وحارِس استمراريّتها “طلال سلمان” نجولُ في عِبَر الماضي وأحلام المُستقبل عسانا نُقدِّمُ خُلاصةً دسمةً لعشّاق الصحافةِ وقرّاء ” السفير” ومُشاهدينا في كلّ مكان. مساء الخير أُستاذ “طلال” وأهلاً وسهلاً بك ومبروك أول أربعين سنة بأقلّ الأضرار المُمكنة
طلال سلمان: أسعد الله مساءك، إن شاء الله
زاهي وهبي: إن شاء الله. سؤالي الأوّل أنّه على مدى أربعين سنة رفعت جريدة “السفير” شعار “صوت الذين لا صوتَ لهم”، إلى أيّ حدّ كانت أمينة لهذا الشِعار؟
طلال سلمان: ربّما الجواب الفِعلي يكون من القرّاء أكثر منّي أنا
زاهي وهبي: كم حضرتكم تشعُر أنّكم كنتم أوفياء للشعار؟
طلال سلمان: أنا أشعُر بأننا لم نخُن هذا الشِعار. كان منهجنا إلى حدٍّ كبير، طبعاً كنّا أولاً مهتمّين بالمناطِق كلّها، كنّا مهتمّين بالناس الضعفاء، بالناس الذين لا يمكنهم الوصول إلى حقوقهم ابتداءً من الفلاّح والمُزارِع المُهمَل والمطموسة قصّته بأكملها وصولاً الى الموظّف، الى الأجير، الى العامل، طبعاً من دون أن يعني هذا أننا كنّا ضدّ الآخرين بالمُطلَق. لكن لأنّ هؤلاء الناس المظلومين والمغبونين لا يمكنهم تحصيل حقّهم
زاهي وهبي: هم الأحق بأن يرفع المرء صوتهم
طلال سلمان: ثلاثة أرباع مناطِق “لبنان” تُعتَبَر مناطِق مُهملة عملياً خاصة أتحدّث
زاهي وهبي: في عام 1974
طلال سلمان: في عام 1974 بمعنى لا البقاع ولا الجنوب ولا الشمال ولا حتّى بعض مناطق الجبل ولا بعض ضواحي “بيروت” كانت موجودة على الخارِطة، خارطة اهتمامات الدولة والرسميين وأصحاب الأموال إلى آخره. فحاولنا أن نستحضِر كلّ هذه المناطِق المُهمّشة والمُهملة بأُناسها الذين هم فخر البلد، هؤلاء الذين أعطوا البلد ويعطون البلد عرقهم وجهدهم ودمهم إذا ما اقتضى الأمر
زاهي وهبي: كيف يُمكن التوفيق بين الانحياز لشريحة معيّنة من الناس، سواء اجتماعيّة أو سياسية أو طبقيّة إلى آخره، ومهنيّة العمل الصحافي؟
طلال سلمان: أعتقد بأنّه لا يوجد تناقُض، مثلاً في أوائل أعداد الجريدة أخذنا “نهر الليطاني”. “نهر “الليطاني” ينبع من منطقة “بعلبك” ويمشي على امتداد منطقة “بعلبك”، “زحلة”، “البقاع الغربي” حيث أُقيمَ السدّ. أسميناه “نهر المليون فقير” لأنّ كلّ الناس القاطنين على ضفّتيه فقراء ولا يستفيدون من النهر، لم تكن الاستفادة حينها قد تحقّقت من مياه السدّ، هذا نموذج. بعد ذلك مثلاً، كان الجنوب اللبناني خارِج الذاكرة مُهملا بلا مشاريع “ولا من يحزنون”، وكان الشمال اللبناني في مُعظم مناطقة مُهمَلا وكان الكثير من المناطِق في “جبل لبنان” مُهملا وكانت كلّ ضواحي “بيروت” مُهملة. أولاً استحضارهم وطرح قضاياهم
زاهي وهبي: تسليط الضوء على مشاكلهم
طلال سلمان: أن نجعلهم يُطلّوا ويقولوا ويسمعونا صوتهم. أولاً تركيز الاهتمام على هؤلاء الذين أفترِض أنّهم أكثريّة الشعب اللبناني. عندنا طبقة غنيّة وعندنا طبقة متوسّطة إلى حدٍ ما والباقي، لا أريد أن أقول الأكثريّة الساحقة، دعني أقول إذا ليسوا في أسفل السلّم الاجتماعي ومعدومين، فوق خطّ الفقر بقليل. فكان الهدف الأساسي التركيز على هذه الشريحة التي نعتبرها أكثريّة الشعب اللبناني. بمعنى صاحب الدكّان الصغير ضمناً وصاحب محلّ البقالة ضمناً وصاحب الفرن المحدود ، أقصد كلّ أصحاب المِهن البسيطة والموظّفين البسطاء، أي أكثريّة الشعب
زاهي وهبي: قبل أن نتحدّث عن الأحلام الجديدة، قبل أربعين سنة ما كانت أبرز الأحلام عندما أسّست جريدة “السفير” وعندما انطلقت؟ ما كانت أبرز الأحلام التي حملتها؟
طلال سلمان: أنا مهني قبل أن أؤسّس “السفير”
زاهي وهبي: طبعاً، مسيرة 17 سنة قبل أن تؤسّس السفير واشتغلت بالصحافة
طلال سلمان: اشتغلت في صحف ومجلاّت متعدّدة. كان دائِماً عندي إحساس بأنّ هذه الصُحف كلّها قد تكون ممتازة وقد تكون تُغطّي لكنّها تذهب في مساحتها الأكبر لأقليّة ضئيلة في البلد أو المنطقة. هناك الزعماء وهناك الأقطاب وهناك الأحزاب ولكن أين الناس؟ كان هناك دائماً ظلم للناس وهناك تغييب مقصود في رأيي أنا لهذا الجمهور الواسع الذي اسمه الشعب. إذا كان هناك من حُلُم كما أسميناه وإذا تمكّنّا من إصدار جريدة فإذاً يجب أن نهتمّ بالشعب، بالناس، بهذه الأكثريّة من أبناء هذا البلد والذين هم أكثرية أيضاً على مستوى المنطقة إذا أردنا قول الشعار الثاني الذي هو “صوت لبنان في الوطن العربي وصوت الوطن العربي في لبنان” ، “جريدة الوطن العربي في لبنان”. إذاً ليس تحيّزاً طبقياً بالمعنى الكامل لكن هؤلاء هم الطاقة المُنتِجة، هؤلاء هم الذين يبنون بلادهم وبالتالي هو انحياز لأبناء الوطن أو الأوطان الذين يعطون عرقهم ويعطون دماءهم إذا لزم الأمر. في كلّ الحروب مع “إسرائيل” 99 % من الذين استشهدوا فيها كانوا أولاد هؤلاء الناس البسطاء
زاهي وهبي: هلّ هذا الذي جعلك تُفكِّر بتأسيس الجريدة ؟ ألم تكتف أن تكون محرراً أو مسؤولاً في هذه الصحيفة أو تلك المجلّة؟ إنّما أسسّت جريدتك الخاصّة، انطلاقاً من ماذا؟
طلال سلمان: أولاً، كان يوجد مناخٌ عربيّ مختلِف تماماً
زاهي وهبي: كان صاعداً
طلال سلمان: نعم، وكنت بحكم عملي سواءً في مجلّة “الحوادث” ثمّ في “دار الصيّاد” وفي مجلّة “الصيّاد” تحديداً و”الأنوار” وإلى حدٍّ ما في مجلّة “الأحد”، كنت
زاهي وهبي: عندك مروحَة علاقات
طلال سلمان: نعم. وتمكّنت من نسج شبكة علاقات جيّدة تتجاوز السياسة. بمعنى كنتُ أعرِف الشعراء والأُدباء والكُتّاب. كنت أحرص في أيّة زيارة
زاهي وهبي: و”نجيب محفوظ” و”محمود درويش”
طلال سلمان: في أيّة زيارة لأيّة عاصمة عربيّة أو أيّ بلد عربي أُحاول أن أعرِف وجدان البلد، أُحاوِل أن أقترِب من وجدان البلد ومن وجدان الشعب. أُحاول أن أتعرّف أساساً على المُفكّرين والكتّاب والشُعراء، خاصّةً الشعراء باعتبارهم أصحاب الأحلام الكبيرة
زاهي وهبي: بأي هاجِس؟ لماذا؟
طلال سلمان: ربما في البداية كان نوعاً من، إذا أردت، اهتماماً شخصياً واستجابة لرغبة شخصيّة دفينة عندي. هؤلاء الناس أشعر بأنّهم أولاً أصدق وأشعر بأنّهم على صِلة بالناس العاديين أكثر. “نجيب محفوظ” أحضر كافة، ولا أريد أن أُسمّيهم فقط فقراء “القاهرة” لكنّه أحضر الناس الطبيعيين في “القاهرة ” ووضعهم في رواياته. “يوسف إدريس” أحضر الناس الطبيعيين وهكذا. “أحمد عبد المعطي حجازي” عندما كان مُهدى من الله
زاهي وهبي: والآن لم يعّد مُهدى من الله؟
طلال سلمان: أجل طبعاً، و”صلاح عبد الصبور” و “أمل دنقُل”، هؤلاء يعبّرون عن وجدان شعبهم
زاهي وهبي: طبعاً
طلال سلمان: فكان ربّما عندي هذه “اللوثة” إذا أردت أن تسمّها هكذا، في أن أرى، بالإضافة إلى السياسيين الذين إلى حدٍّ ما كلامهم مكرّر ومُعاد
زاهي وهبي: أن ترى المثقّفين والمُبدعين
طلال سلمان: الذين هم أقرب إلى وجدان شعبهم وبالتالي صار عندي ثروة من هذه العلاقات مع الأشخاص الذين قد يرمزوا أو يمثلوا وجدان شعبهم سواء في “العراق” أو في “سوريا” أو في “مصر” أو في “ليبيا”
زاهي وهبي: سنتحدّث عن علاقاتك ببعض المثقّفين في سياق الحوار، لكن هلّ تحقّقت أحلام البدايات؟ أي الأحلام التي كنت تحملها معك في بدايات عملك الصحافي، في بدايات تأسيس “السفير”. تحقّق الكثير منها أم تكسّر الكثير منها على صخرة الواقِع؟
طلال سلمان: أكيد تكسّر الكثير منها، أكيد. ولا يمكنني أن أدّعي إطلاقاً، خصوصاً أنّه من سوء حظّنا، حظّ البلد طبعاً، أنّه بعد سنة، أقل من سنتين أو سنتين تماماً، بعد سنة كان اغتيال “معروف سعد” الذي كان إنذاراً
زاهي وهبي: ببدء الحرب الأهليّة
طلال سلمان: حسناً، في عام 1976 أي بعد سنتين بدأت الحرب الأهليّة، فلم يكن عندنا فُرصة للتنفّس وكانت أحلامنا تتكسّر أمام أعيننا، كنّا نشاهد أحلامنا تتهاوى. كنت تطمح أن تصل من “المغرِب” إلى “اليمن” وصارت مشكلتك هل يمكنك أن تصل إلى كلّ “بيروت” أم لا؟ هل يمكنك أن تصل إلى “طرابلس” أم لا ؟ هل يمكنك أن تصل إلى “صيدا” أم لا؟
زاهي وهبي: كيف كنت تواجِه الإحباط واليأس ولحظات الانكسار؟
طلال سلمان: ربما تأخذها كتحدّ، هناك إرادة الحياة، هناك إيمانك بالناس، إيمانك بالشعب. لأنّك “جريدة” ولست تكتُب كتاباً، أنت اخترت هذا الطريق ودخلت إلى هذا التحدّي وكنت تعلم أنّ هذا سيكون مكلِفاً. طبعاً لا أحد كان يحتسِب أن التحدّي سيكون صعباً إلى هذا الحدّ، لكنك تُصبح مدفوعاً بقوّة دفعٍ ذاتية وقوّة دفعٍ إضافية وهي إحساسك بأنّ الناس تقبّلوك واستقبلوك استقبالاً جيّداً وعلّقوا عليك بعض الأمل واعتبروك إلى حدٍّ ما صوتهم
زاهي وهبي: وصار عندك مسؤوليّة تجاههم، صرت مسؤولاً تجاههم
طلال سلمان: صحيح، ولذلك يتحمّل المرء أشياء كثيرة، يتحمّل أيام البؤس وأيام الشقاء .
زاهي وهبي: كم جرت مُحاولات لمُصادرة الحلم ترغيباً أو ترهيباً؟ خصوصاً أنّك تعرّضت لأكثر من محاولة اغتيال، أنت شخصياً. كم جرت محاولات لشراء هذا الحلم بالترغيب أو بالترهيب؟
طلال سلمان: في منتهى، ولا أريد أن أقول التواضع، لكن بمنتهى التجرّد كما يقولون، كثيراً. طبعاً عدد من زملائنا تعرّضوا وهناك عدد من المؤسسات الصحافيّة تعرّضت وكذلك الإعلاميين، ولكن ربّما نحن كنّا “البريمو” في المحاولات. في عام 1976 استشهد أحد زملائنا وكان عامل مطبعة، وبعدها استشهد شابٌ آخر كان عاملاً في “السفير”، ناهيك عن القذائِف والصواريخ وكذا وإلى آخره التي كانت ضريبة الحرب الأهليّة الموجودة آنذاك. بعد ذلك هناك التقصُّد، في عام 1980 نُسِفت المطابع وكنّا قد ركّبناها حديثاً، نُسِفَت بقرارٍ واضِح وعرفنا ممن ورحنا وحاولنا وطبعاً لم يكن بإمكاننا أن نطال المسؤول الفعلي لأنّه خارِج البلد، لكن الذي يوصله. وفي العام 1981 حاولوا مرّتين تفجير البيت وفي عام 1984 صارت محاولة لاغتيالي، وأعتقد أنني تعرّضت قليلاً أكثر من غيري. هذا عدا الصواريخ وعدا
زاهي وهبي: عرفت من حاول اغتيالك؟
طلال سلمان: بالمعنى اليقيني لا، لكن بإحساسي وبوجداني أجل طبعاً. أعتقد في عهد “أمين الجميِّل”، من يمكنه ذلك؟ وكم هو مسؤولٌ شخصياً وكم الأجهزة مسؤولة؟ لكن قطعاً كان لنا موقف من اتفاق 17 أيار أو “اتفاق العار” كما أسميناه وقمنا بحملة كبيرة، نحن وغيرنا ولكن ربّما كنّا نحن الطليعة فيها، ولم يكن عندي خصم ولا عدوّ شخصي ولا عدوّ سياسي ممكن أن يكون عنيفاً لهذه الدرجة إلاّ أن يكون
زاهي وهبي: معادياً للمشروع الذي حملته الجريدة
طلال سلمان: ويحاول أن يأخذ البلد كلّها إلى مشروعٍ مدمِّر ألا وهو مشروع 17 أيار، وبالتالي بنظرهم جريمتي سياسية، وبالنسبة لي جريمتهم ليست سياسية لا، بل ماديّة. حاولوا الردّ على المقال وعلى الكلمة وعلى الصورة وعلى الكاريكاتور
زاهي وهبي: بالرصاص
طلال سلمان: بالرصاص
زاهي وهبي: سأُتابع معك أُستاذ “طلال سلمان” ولكن سنتوقّف لحظات فليلة ثمّ نُتابِع “بيت القصيد”

ما قلّ ودلّ:
¯ طلال سلمان
? ناشر جريدة “السفير” ورئيس تحريرها منذ أربعين سنة
? نجح في تحويل جريدة “السفير” إلى “صوت الذين لا صوت لهم” فرفعَت سقف الحريّة الإعلامية ما أدّى إلى مقاضاتها مراراً ومُنِع توزيعها في العديد من الدُوَل
? حاز العديد من الجوائِز المرموقة منها جائزة المُستشرِق الروسي “فيكتور بوسوفاليوك” وجائزة “ستيفانو كاباريني” ودرع متخرّجي جامعات “بريطانيا”
? من مؤلّفاته، ” الهزيمة لبست قدراً “، “إلى أميرة اسمها بيروت”، “لبنان، العرب، والعروبة” وغيرها.

زاهي وهبي: مشاهدينا، عنوان صفحتنا على “الفيس بوك” هو “بيت القصيد”، نتمنّى انضمامكم الى الصفحة وأن تقترحوا علينا أسماء ضيوف عرب تحبّون مشاهدتهم في البرنامج ونحن سنحاول قدر الإمكان وسنسعى لاستضافة هؤلاء المبدعين العرب من المحيط إلى الخليج، وضيفنا هذه الليلة الصحافي الكبير الأُستاذ “طلال سلمان”. في فقرة كلام يوصل، أوّل رأي سنسمعه اليوم للكاتب والمفكِّر المعروف الأُستاذ “فهمي هويدي” نسمعه سوياً
كلام يوصل:
فهمي هويدي (كاتب وصحافي): أربعون سنة ليست بالعمر القليل، والحقيقة لا بدّ للمرء أن يسجِّل التقدير ليس فقط للاستمرار طوال هذه المدّة ولكن أيضاً للالتزام. وأنا أظنّ أنّ أهم ما ميّز ” السفير” خلال هذه الفترة هو التزامها بأمرين أساسيين هما أولاً، الموقف القومي أو الأحلام القوميّة التي بقيت “السفير” تدافع عنها طوال هذه الفترة. الأمر الثاني يتمثّل في قضيّة “فلسطين” التي بقيت محوراً أساسياً ومركزياً في خطاب الجريدة، والحقيقة هذا يبدو أيضاً ليس فقط موقفاً مميّزاً ولكنّه أيضاً أصبح في هذا الزمن، أو في خلال التقلّبات التي مرّ بها العالم العربي، شيئا يثير الانتباه لأنني أظنّ أن هناك أصواتا كثيرة تراجعت وغيّرت مواقفها في حين أنّ “السفير” ظلّت تتعلّق بهذه الأحلام أو الآمال وتُدافع عنها طوال الوقت. ما هي المعارِك التي حقّق فيها إنجازاً وتلك التي استشعَرَ فيها إخفاقاً خلال هذه الفترة؟ لأنّ هذا سؤال يُحيّرنا كثيراً وأنا أخشى أن يكون زمن السبعينات عند البعض أفضل حالاً من هذا الزمن الذي نعيشه الآن
زاهي وهبي: شكراً للأُستاذ “فهمي هويدي” على مداخلته وعلى سؤاله، تفضّل
طلال سلمان: أولاً أريد أن أُحييه وأن أشكره. الأُستاذ ” فهمي” صحافي كبير وكاتب محتَرم، قد نختلِف في الرأي لكن فعلاً هذا لا يُنقِص من الاحترام والودّ
زاهي وهبي: شهادة المُختلِف أنزه من شهادة المُحِبّ أحياناً
طلال سلمان: صحيح أنّ هناك أمورا اختلفت بين السبعينات واليوم، وأخطر ما اختلَف أو طُمِس أو حاولوا إخفاءه تماماً هو قضيّة “فلسطين”، وأنا بالنسبة لي “فلسطين” هي ليست قطعة أرض وشعب مُضطّهد ومقهور
زاهي وهبي: ما هي؟
طلال سلمان: هي وجود الأُمّة بأكملِها. أنا أعتقد أنّ هذا الخَطر الذي لم تكُن مواجهته بمستوى خطورته، أو حتّى المحاولات التي صارت لمواجهته كانت قاصِرة، وهذا أخطر بكثير مما نتصوّر والدليل أنّ (إسرائيل) مع الأسف تتحوّل إلى حقيقة ثابتة وإلى حدٍ كبير تُغيِّر في هويّة المنطقة. اليوم بمنتهى البساطة صار اسم منطقتنا بعدما أُنكِرَت علينا هويّتنا، أُنكِرَت علينا أسماؤنا، وبعد قليل قد يغيّرون لنا لون وجهنا أيضاً
زاهي وهبي: هذا الذي يجعلكم تُصدرون ملحقاً عن “فلسطين” مع جريدة “السفير”؟
طلال سلمان: صارت المنطقة اسمها “الشرق الأوسط”، وماذا يعني “الشرق الأوسط”؟ “الشرق الأوسط” بين من ومن؟ هذه ليست هويّة، هذا تحديد جغرافي لجهة ما، لكن بين من ومن؟ الدولة الوحيدة التي لها اسم في المنطقة هي “إسرائيل”، فإذاً إخفاء الاسم الأصلي للمنطقة هو تتويج لـ “إسرائيل” باعتبارها ملكة المنطق. ثم طبعاً ما يعيشه إخواننا الفلسطينيون هو محنة مفتوحة، بعض وجوهها ذات يوم حين كانت منظّمة التحرير موجودة في “بيروت” وفي المنطقة والمشرِق عموماً أنّه كان هناك 700 مطبوعة فلسطينيّة معظمها رديء ربّما وليس في المستوى
زاهي وهبي: ولا نظيف
طلال سلمان: لكن كان هناك عجقة، وهناك كلِمة “فلسطين” موجودة أينما كان. فجأةً بعد عام 1982 تقريباً
زاهي وهبي: غُيِّبَت كليّاً
طلال سلمان: وصار ذكر موضوع “فلسطين” وكأنّك تتحدّث عن شيء مُنفِّر أو “بلا سيرته”. فالحقيقة أنّ نوعا من ردّ الفِعل أنّ هذه هي القضيّة المركزيّة للأُمّة، النصر فيها والهزيمة فيها، وهذا ينعكِس على حياتنا اليوميّة وينعكس على معاشنا وينعكِس على اقتصادنا وينعكِس على تربية أولادنا وينعكِس على كلّ شيء. إذا كنّا نحن أيضاً قصّرنا، إذا افترضنا أنّ الممثِل السياسي لهذه القضية أصغر منها بكثير والحُكّام العرب أصغر منها بكثير، يمكننا على الأقل أن نرفع الصوت قليلاً، يمكننا أن نستحضِر “فلسطين” ولوّ عبر مُلحَق مرّة شهرياً لنقول أنّ هذه هي قضيّتنا وتبقى قضيّتنا
زاهي وهبي: تشعُر بأنّ المطلوب أن ننسى “فلسطين”، وكأنّ المطلوب هو أن ننساها وليست الأمور هكذا عن عَبَث
طلال سلمان: لا، توجد خطّة وهناك ضغط يوميّ وهناك طمس نهائي ليس فقط بالسياسة بل بالثقافة وبالعمل السياسي العام وفي كلّ النواحي، كما وكأنّها كلِمة “فلسطين” كلمة محرّمة
زاهي وهبي: استمعنا إلى رأي من “مصر”، “مصر” العرب وأُمّ الدنيا كما نقول. هلّ استطاعت جريدة “السفير” أن تُحقّق الشِعار الذي رفعته أنّها صوت “لبنان” أو جريدة “لبنان” في العالم العربي وجريدة العالم العربي في “لبنان”؟
طلال سلمان: مع الأسف لا
زاهي وهبي: لماذا؟
طلال سلمان: لأسباب موضوعيّة
زاهي وهبي: هلّ الصحافة اللبنانيّة كلّها تراجعت؟
طلال سلمان: أولاً هكذا، ثانياً صارت الصُحف الأغنى، ولنكن صريحين، الصُحف التي يسمّونها “البان آراب” التي يمكنها أن تصلّ إلى كلّ البلدان العربيّة وتوزِّع
زاهي وهبي: والتي عندها إمكانيات ماليّة ضخمة
طلال سلمان: يوم انطلاقنا كانت الوسيلة الوحيدة للتواصل هي الطائرة. كنت أشحن الجريدة في الطائرة لتصل إلى وجهتها ويأخذها القرّاء في اليوم التالي إذا وصلت الطائرة بعد الظهر أو ربّما في المساء. طبعاً هذه الطريقة انقرَضت، هذا التقليد انقرَض. مع وجود وسائِل التواصل الحديثة صارت تصل الجريدة إلى القارئ قبل أن تُطبَع. تأتينا أحياناً اتّصالات من أميركا صباحاً حينما لم يقرأ الجريدة أحد بعد لأنّهم يقرأوها هناك قبلنا بكذا ساعة مع فارِق التوقيت، وبعد ذلك من غير الممكن لجريدة أن تبيع إذا وصلت إلى بلدٍ آخر متأخِّرة يوماً. عادة، بعد الساعة العاشرة صباحاً، حتّى في العاصمة “بيروت” حيث يكون المبيع عادةً بين الساعة السابعة صباحاً والعاشرة أو العاشرة والنصف، هذا هو الوقت
زاهي وهبي: انطلاقاً مما تقوله، هلّ تتوقّع أنّ الصحافة الورقيّة ستبقى بعد أربعين سنة؟ أنتم ترفعون شعار “إحلم لأربعين سنة قادِمة”، هلّ تتوقّع أنّ الصحافة الورقيّة ستبقى موجودة؟
طلال سلمان: هناك شيء من التعصّب للورق لأننا وضعنا عليه ما يمكننا تسميته برسالتنا
زاهي وهبي: هذا ممكِن لجيلك أو لجيلي، لكن هناك الجيل اليوم الذي نشأ حديثاً لا يعرِف إلاّ الشاشات واللمس
طلال سلمان: أفترِض أنّني في المدى المنظور عربيّاً لا أرى ذلك، على الأقل لـ 10 أو 15 أو 20 سنة مقبلة
زاهي وهبي: ستستمِرّ الصحافة الورقيّة
طلال سلمان: ستستمِرّ، ولا أعرِف كم التطوّر يُغني. لا أعرف، ما نستخدمه حالياً من وسائِل التواصل الحديثة كم استغنوا نهائياً عن الكتاب وعن الجريدة. أنا أعتقد أنّه ستبقى هناك مساحة ما طبعاً للمتميّز وللذي يمكنه اللحاق بالعصر ويمكنه أن يُقدِّم خدمة متوازية أو متوازنة مع ضرورات اللحظة
زاهي وهبي: وهناك صُحُف في العالم ألغت طبعتها الورقيّة ثمّ عادت إليها. صحيفة News Week مثلاً على سبيل المثال
طلال سلمان: وأعتقد أنّ في الحساب النهائي يُبقي مساحة معيّنة، ربّما أقلّ من المساحة المُتاحة حالياً، لكن بالتأكيد
زاهي وهبي: نعم، ما الذي يجعل الصحافة اللبنانية تعود إلى لعِب دور مؤثِر عربياً؟ نحن نعلم أنّه في يومٍ من الأيام كانت الصحافة اللبنانيّة تهُزّ العالم العربي بافتتاحية أو بمانشيت
طلال سلمان: شوف أُستاذ “زاهي” إذا أردنا أن نكون صريحين، أُلغِيَت السياسة، عُطِّلَت السياسة في الوطن العربي عموماً
زاهي وهبي: وليس فقط في “لبنان”
طلال سلمان: حالياً، ربّما يحدُث شيء من العودة عبر الانتفاضات وعبر الميادين سواءً في “مصر” أو في “تونس” أو في ” ليبيا”، والأحداث الدمويّة التي تحدُث والتي تهزّ بلداناً وتهُزّ كيانات مثل “سوريا” و”العراق”. فهناك إلغاء للسياسة، الحرب الأهليّة هي التي تلغي السياسة. مع الانتفاضة في “مصر”، مع العودة إلى الميدان وكذا وإلى آخره، عاد الناس إلى السياسة وهم يعودون أكثر فأكثر باعتبارها مُكوِّنا أساسيا من اهتماماتهم ومن حياتهم
زاهي وهبي: توجد تباشير أمل بعودة الحياة السياسيّة الطبيعيّة
طلال سلمان: مثلاً عرِفت بعض الوقائِع بحُكم المهنة، وأعلم أنه ذات يوم جريدة “الأهرام” في “مصر” مثلاً كانت تُوزِّع يومياً حوالى 400 ألف أو 500 ألف نسخة وكنت أعتبر هذا العدد قليلا على شعب بهذا التعداد، وأعلم أنّ نهار الجمعة كان مقال “هيكل” يوزِّع مليوناً. مؤخّراً، في السنتين الماضيتين أو الثلاث سنوات الماضية، قبل الانتفاضة مُباشرةً وحتّى بعد الانتفاضة بفترة، عندما تسمع بأنّ جريدة مثل “الأهرام” أو “الأخبار” توزّع 200 ألف نسخة وما دون، عندما تسمع أن صُحفا جديدة توزِّع 40 ألف و50 ألف نسخة في بلدٍ تعداد سكّانه 90 مليونا، كارِثة. هذه كارِثة والحقّ فيها على الصحافيين انفسهم والصُحف قبل أن نُحاسِب القارئ. إذا كانت الجريدة لا تُلبّي احتياجاته تقع المسؤوليّة على الصحافي المُقصِّر أكثر مما هي على القارئ الذي يُقارِن من بين ما أمامه وحينها يختار إذا كان يأخذها أو لا يأخذها
زاهي وهبي: سنناقش التحدّيات التي تواجه الصحافة العربيّة عموماً واللبنانيّة خصوصاً ولكن نتوقّف مع موجز إخباري ثمّ نُتابِع “بيت القصيد”
زاهي وهبي: مشاهدينا، نتابع “بيت القصيد” مع الأُستاذ “طلال سلمان”. أيضاً في فقرة “كلام يوصل” أُستاذ “طلال” رأي آخر من “مصر” وهذه المرّة من الكاتب والقاصّ المعروف الأُستاذ “يوسف القعيد”، نستمع إليه سوياً
كلام يوصل:
يوسف القعيد: أنا عرفت “طلال سلمان” قبل أن أعرِفه، بمعنى قبل التعرّف الشخصي. عرفته كإسم سنة 1978، وكانت قد صدرت روايتي ” يحدث في مصر الآن”، وكانت مُعظم دور النشر إن لم يكن كلّها رفضت نشرها ونشرتها أنا في طبعة فقيرة جداً على حسابي الخاصّ. “طلال سلمان”، لا أعرف كيف وصلته الرواية إلى “بيروت” لأنّ الطبع كان محلّيا في “مصر”، فرأى الرواية وقرأها وتحمّس لها وأعطاها لأحد النقّاد من أجل أن يكتُب عنها مقالاً في جريدة “السفير”. في فترة القطيعة المصريّة العربيّة التي أعقبت “كامب ديفيد” تقريباً كانت جريدة ” السفير” ممنوعة من دخول “مصر” وأعتقد أنّها لغاية الآن لا تدخل ” مصر” ولا أفهم ما هو السبب في هذا. كانت جريدة “السفير” هي جريدة الضمير العربي التي كنّا نفتحها من أجل أن نقرأ فيها ونرى الصورة الأُخرى لما يجري عندنا، ثمّ استمرّت المسيرة في ما بعد واستمرّت ” السفير” في موقفها الرافِض لكلّ محاولات تفتيت القضيّة الفلسطينيّة. “طلال سلمان” من الذين راهنوا مبكراً جداً على فكرة الحُلم القومي العربي. كثير من كُتّاب “مصر” الذين مُنعوا داخل “مصر” سواء في زمن “السادات” أو زمن “مُبارَك” وجدوا في “السفير” ملاذاً آمناً وفرصة نادرة من أجل أن يعبّروا عن كلّ الأشياء التي يرغبون في التعبير عنها. بصرف النظر عن آرائنا في “الربيع العربي”، بصرف النظر عن المآل الذي يُمكِن أن يؤول إليه “الربيع العربي”، بصرف النظر عمّن أطلق تعبير “الربيع العربي” في وصف ما جرى في الوطن العربي في السنوات الثلاث الأخيرة، أنا أريد أن أسأله، لماذا لم تظهر تجلّيات “الربيع العربي” في الصحافة العربيّة؟ لماذا عندما أفتح الصُحف العربيّة بعد “الربيع العربي” بثلاث سنوات أكتشِف بأنّها شبيهة، إن لم تكن نسخة أخرى من، الصحافة العربيّة التي كانت تصدُر قبل ” الربيع العربي” لدرجة أنّ الصحافة الآن تختلِف عمّا كانت عليه قبل “الربيع العربي” في التواريخ المدوّنة عليها في “الترويسة” فقط، أما هي نفس الصحافة ولا يختلِف شيء إلاّ نوعيّة المانشيتات والكلام المكتوب فيها. متى يصل “الربيع العربي” إلى الصحافة العربيّة؟
زاهي وهبي: فعلاً سؤال وجيه من الأُستاذ “يوسف القعيد”
طلال سلمان: جدّاً
زاهي وهبي: ومداخلته تُكمِل الذي كنّا نتحدّث عنه قبل الموجز. لماذا هذا “الربيع العربي” بين مزدوجين لم ينعكِس على الصحافة نفسها؟
طلال سلمان: أولاً اسمح لي أن أُحييه أولاً على هذه الشهادة طبعاً
زاهي وهبي: طبعاً وأنا أُحييه أكيد
طلال سلمان: تأخّرنا حتى أصبحنا أصدقاء أنا و”يوسف” ومع الأسف لا نلتقي دائِماً، لكن ما مِن شكّ أنّه أولاً من الروائيين المميّزين، وهو ككاتب قلمه جميل وساحر. أمّا عن الموضوع، أنا أيضاً عندي هذه الحيرة
زاهي وهبي: عندك علامات استفهام
طلال سلمان: طبعاً، “لبنان” مع الأسف خارِج “الربيع العربي” إلاّ إخواننا في 14 آذار الذين اعتبروا أنّ هذا من “الربيع العربي” وأنا برأيي هذا ليس صحيحاً. هذا تحرُّك شعبي والمرء يحترِم أيّ تحرّك شعبي، لكن هذا على العكس، كان يتخلّى عن العرب أكثر من أنّه يتقرّب منهم، مع أنهم هم يدّعون بأن هذه انطلاقة ” الربيع العربي”. أنا برأيي، بعد “الفوضى الثوريّة” إذا أردنا أن نُسمِّها، أولاً لم تجِد تماماً من يُعبِّر عنها، أكيد أنت شاعِر وتعلم. قليل هو الشِعر حول الانتفاضة أو “الربيع العربي”، قليلة هي القصّة، قليلة هي الأعمال الأدبيّة
زاهي وهبي: التجليّات ربما لم تنعكِس بعد في الأدب كما يجب
طلال سلمان: ربما لم تتخمّر بالأدب الكافي حتّى الانتفاضة نفسها أو هذا الطوفان يُنتِج أدباً أو ثقافةً أو صحافةً تُعبِّر عنها فعلياً. لا يزال المخاض مفتوحا؛ “مصر” لم تستقِرّ بعد على صيغة محدّدة
زاهي وهبي: ما زلنا في المخاض
طلال سلمان: نعم، و”تونس” لم تستقرّ بعد على صيغة محدّدة و”ليبيا” متّجهة صوب الحرب الأهليّة، طبعاً “العراق” و”سوريا” أيضاً في خِضمّ مشاريع لحروب أهليّة. “لبنان” على حافّة حرب أهليّة. دائماً يشعُر المرء بأنّه مضطرِب وبأنّ عنده خوف دائماً من أن ينفجر الوضع بسبب الحياة السياسيّة، بسبب فشل الطبقة السياسيّة، بسبب أن السياسة معدومة، حتّى هذه اللحظة السياسة معدومة في المنطقة العربيّة كلّها. عندما تصير، مع الاحترام الكامل، عندما تصير دول الخليج العربي طارِئة على السياسة ولم يكن فيها لا حركة سياسية ولا أحزاب ولا حركة فكريّة سياسيّة، تُصبح هي وكأنّها قيادة، وهذا ليس طعناً بها لكن هذا طعناً بالآخرين الذين كانوا مؤهّلين
زاهي وهبي: بأنه، أينكُم؟
طلال سلمان: أجل، أنا أتمنّى أن يكون هناك أدبٌ سعودي، بغضّ النظر عن التعبير، أتمنّى أن يكون هناك أدبٌ إماراتي، أو أدبٌ قطريّ ، لكن أين “مصر”؟ أين “سوريا”؟ أين “العراق”؟ أين المُحرّكات الفِعليّة على المستوى الوجداني وعلى المستوى الثقافي وعلى المستوى السياسي؟
زاهي وهبي: غارقون في الدمّ
طلال سلمان: الدمّ والفوضى
زاهي وهبي: نعم
طلال سلمان: الدمّ والفوضى والفقر والتعاسة أيضاً. “مصر” هذه همومها ثقيلة جداً وربما أعتقد تحتاج إلى سنة أو سنتين أو ثلاث
زاهي وهبي: إذاً هذه التجلّيات، حتّى تنعكِس في الصحافة تحتاج إلى وقت برأيك
طلال سلمان: نعم، زائِد وجود نقطة مهمّة كثيراً، خاصةً بالنسبة لـ “مصر”. مع الأسف، كان عندنا مطاعِن كثيرة على الصحافة المصريّة في العهود السابقة في أنّها كانت صُحف حكوميّة وكذا وإلى آخره
زاهي وهبي: نعم
طلال سلمان: الذي دخل مجال الصحافة حالياً رؤوس الأموال، رؤوس أموال بعضها مصري وبعضها غير مصري وبالتالي لا أتصوّر أنّها ستكون إلى هذه الدرجة معنيّة بحقيقة الانتفاضة وأسباب الانتفاضة
زاهي وهبي: لها أجندات أو لها أهداف وغايات
طلال سلمان: طبعاً، أكيد هذه الأموال لم تأت حتّى تُنصِف الفقراء والعُمّال والفلاّحين وكذا وإلى آخره، فهناك غياب للصوت الذي يمكن أن يُعبِّر فعلياً عن وجدان الناس، مع احترامي للزملاء والعاملين في هذه الصُحف، لكن ما أقصده هو أنّ الوجهة الأساسيّة، لم أجد أيّ جريدة في “مصر تُعبِّر فعلياً عن هذا الطوفان البشري الذي نزل الى الميدان وأعلن مطالبه بأعلى صوت، أي رفع صوته في المطالب
زاهي وهبي: دعني أعود إلى جريدة “السفير”. مرّ عبر السنوات على جريدة “السفير” الكثير من المُبدعين والمثقّفين، بما أننا نتحدّث عن الأدب والإبداع
طلال سلمان: نعم
زاهي وهبي: كم كان للمثقّفين اللبنانيين والعرب، الذين اشتغلوا أو مرّوا عبر صفحات “السفير”، دوراً بنهضة جريدة “السفير” وحضورها؟
طلال سلمان: بالتأكيد دورهم أساسي. أعطونا إذا أردت تسميته، رصيداً محترماً، أعطونا رأس مال معنوي مهم، أعطونا وهج أسم الجريدة. ما من شكّ، من “سعد الله ونّوس” إلى “عبد الرحمَن المنيف”، وذكرتهما بتحديد الأسماء لأنهما رحمهما الله كلاهما توفّا
زاهي وهبي: و”ناجي العلي” كرسّام كاريكاتور
طلال سلمان: طبعاً، ما من شكّ أنّ “ناجي العلي” ترك بصمته على جيل أو جيلين كاملين حتّى هذه اللحظة، وأعتقد أنّه مستمِرّ لأنّه تمكّن من التعبير عن وجداننا على اختلاف أجيالنا، على جيلين أو ثلاثة وخاصّةً أنّ القضيّة هي نفسها. وبعد ذلك، “مصطفى الحسيني”، “حسين عبد الرازق” عندما كان لا يزال كاتباً وصحافياً قبل أن يُصبِح قائدا سياسيا عظيما، “حسين العُداة” من “سوريا” ومجموعة كبيرة من الكُتّاب السوريين
زاهي وهبي: عشرات الأسماء
طلال سلمان: ولو ذاكرتي أقوى من الممكن أن أعدّ لك أسماء كثيرة
زاهي وهبي: من كنت تتمنّى لو أنّه لم يُغادِر “السفير”؟
طلال سلمان: أولاً، بسبب الوفاة طبعاً هناك الكثيرون لكن ربما أحد الذين كنتُ أتمنّى ألا يغادروا “السفير” هو “جوزف سماحة” رحمه الله
زاهي وهبي: نعم
طلال سلمان: لأنّ “جوزف سماحة” أولاً تربّى في مناخ “السفير” وهو ابن “السفير” بالمعنى المجازي، وما من شكّ بعد عودته للمرّة الثالثة أو الرابعة، لأنّه ذهب وعاد كذا مرّة، كان قد أصبح أنضج وتوسّع فكره وتوسّعت رؤيته أكثر واستفاد من وجوده في “أوروبا” بقدر من الحداثة بالمعنى المهني، أي صار عنده صورة للصحيفة أكثر تقدّماً إذا أردت القول
زاهي وهبي: أكثر حداثةً كما تفضّلت. تُصدِر في “السفير” ولا تزال تُصدِر، تحدّثنا عن مُلحق “فلسطين” قبل قليل، ملحقاً ثقافياً أدبياً يعنى بالأدب والشِعر، وحضرتك تكتُب فيه زاوية بعنوان “هوامِش”. في رأيك الثقافة بمعناها كأدب وشعر ومسرح ورسم، لها جمهور؟ لها قرّاء؟
طلال سلمان: أنا أعتقد أنّ لها
زاهي وهبي: وما هي أهميّة الملحق الثقافي في جريدة يوميّة؟
طلال سلمان: أولاً، أبسط حقّ للقارئ علينا أن نقدّم له، إذا هذا كان صادراً عن الوجدان وهذا يُعبِّر عن وجدان الناس أي الشعب، ومن واجب الجريدة أن توصل له هذا الدفق الوجداني وهذه الرؤى ومحاولة استكشاف المستقبل
زاهي وهبي: وهو طبعاً يرأس تحريره الشاعر “عبّاس بيضون”. الملحق العربي أيضاً، هناك ملحق عربي
طلال سلمان: “السفير العربي” نعم
زاهي وهبي: يصدُر مع “السفير العربي” وتتولاّه..
طلال سلمان: الدكتورة ” نهلا الشهّال”
زاهي وهبي: “نهلا الشهّال”، ونحيّي الجميع طبعاً. هلّ هو مُحاولة تعويض دورٍ ما ناقص أو غائِب
طلال سلمان: صحيح
زاهي وهبي: هلّ يصل الى المعنيين العرب هذا المُلحق؟
طلال سلمان: رهاننا الأساسي على وسائِل التواصل الحديثة مع الأسف
زاهي وهبي: على الإنترنت
طلال سلمان: على الإنترنت
زاهي وهبي: وليس على الطبعة الورقيّة
طلال سلمان: لا طبعاً. هو محاولة تعويض لأنّ الصُحُف عموماً، حتّى لو عندها مُراسِل، تهتمّ أكثر بالجانِب السياسي، بالمُباشر. الرؤساء والوزراء والدولة والمُعارضة إذا أمكن. هذا المُلحق حاولنا أن يهتمّ ويُقدِّم أولاً صورة بانورامية للوطن العربي كلّه، من “المغرِب” الى “اليمن” عبر تحقيقات وموضوعات تهمّ أهل البلاد خارِج النطاق السياسي المُباشَر وبالتالي تفيدنا لنا نحن في أنّها تُقدِّم صورة عنه وتفيد في التواصل بين المغربي واليمني حتّى ولو عبر وسائِل التواصل الحديثة لكن على الأقلّ هناك مغربي يقرأ عن أشياء لا يقرأها من الوكالات، والصُحُف العربيّة عموماً ضعيفة
زاهي وهبي: ولا تهتم بها
طلال سلمان: ولا تصل الى بعض القرّاء، أي لا تصلنا صحيفة مغربيّة ولا تصلنا صحيفة جزائريّة
زاهي وهبي: هناك أيضاً “سفير الشباب” الذي يُحاول أن يُخاطِب الشباب والأجيال الجديدة
طلال سلمان: هذا حقّهم
زاهي وهبي: هلّ نجحت “السفير” عبر هذه السنوات الأربعين في مواكبة أجيال متعاقبة ومتلاحقة برأيك؟
طلال سلمان: هذا أملنا. ربّما لم نبلُغ ما نتمنّاه تماماً لأنّ هذا أيضاً له علاقة بمحنة الصحافة المكتوبة. الصحافة المكتوبة في بلدٍ مشروخ، إذا المرء يريد أن يكون صريحاً، البلد انشرَخ
زاهي وهبي: أي صارت الصحافة محنة ولم تعد مهنة
طلال سلمان: صحيح
زاهي وهبي: حلو
طلال سلمان: البلد انشرخ لأنّه صار جهات
زاهي وهبي: ألله يبشِّرَك بالخير
طلال سلمان: وهلّ أنا الذي عملت الواقع؟ البلد صار جهات وطوائِف ومذاهِب. أولاً انضربت فيه الحياة السياسية. حين صدرت “السفير”، مانشيت اليوم الثاني أو الثالث من صدورنا كانت ” 25 ألفاً في مسيرة الرغيف”، واليوم
زاهي وهبي: الرغيف لا يجمع ألفاً لينزلوا إلى الشارِع بينما الطوائِف تُنزِّل ملايين
طلال سلمان: لم يعد يوجد شارع واحد، صار هناك شوارِع وزواريب وأحياء ومناطِق وجهات، فهذا طبعاً يضرب الحياة السياسيّة عموماً ويضرب الصحافة بشكلٍ خاصّ باعتبارها أحد عناوين الحياة السياسيّة. فمع الأسف
زاهي وهبي: قبل أن نُكمِل، بوكيه ورد، تفضّل، مشكورين الشباب. إذا ممكن أن تفتح الرسالة وأن تقرأها أُستاذي ثمّ نعود ونتحدّث عن ” مُلحق الشباب”
طلال سلمان:
أربعون عاماً من حبر الصوت (حلوة)
من كلمات من لا صوت لهم
من “السفير” إلى العروبة
وفي “السفير” إلى الوطن العربي
أربعون عاماً و “طلال سلمان” على الطريق بعزم وصبر
بموقف ورؤية وأمل وبقوة مع المقاومة عنيداً
أربعون عاماً نحتت “السفير” جيلاً بل أجيالاً
ونجح “طلال سلمان” أُستاذاً
كلّ عام وأنتُم بألف خير أستاذ جيلنا
بمحبّة وصدق وتقدير
غسّان بن جدّو
زاهي وهبي: إذاً رسالة وباقة ورد من رئيس مجلِس إدارة “الميادين” الزميل “غسّان بن جدّو”
طلال سلمان: أتمنّى، أولاً أريد أن أشكره وأن أُحيّيه تحيّة خاصّة وأريد أن أقول أولاً أنني آمل أن أكون عند حسن ظنّه وأريد أن أُحييه على مشروعه الذي أنا أعتبر أنّ فيه أُخوّة ورفاق سلاح بين “السفير” وبين “الميادين”. توجد شعارات كثيرة مُشتركة وأهداف كثيرة مُشتركة وهناك صدقٌ مع المِهنة وصدقٌ مع الناس، وأتمنّى لـ “الميادين” كلّ النجاح وأريد أن أُحييه على هذا الافتراق لأنّه افترقَ فعلاً من عالمٍ كان مُسطّحاً وبأنّ هذا الإعلام ليس لنا، لهم. تحيّة لـ “الميادين” بكلّ العاملين فيها وخاصة للأُستاذ “غسّان”
زاهي وهبي: وتحيّة لك والشُكر الجزيل لـ
طلال سلمان: وشكراً على الورد
زاهي وهبي: على الورد وعلى الرسالة، وسنُتابِع مع حضرتِك بعد الاستراحة. استراحة ثمّ نُتابِع “بيت القصيد”

زاهي وهبي: مشاهدينا، نذكّركم أن صفحتنا على “الفيس بوك” هي بعنوان “بيت القصيد” وضيفنا الليلة الأُستاذ “طلال سلمان”. أيضاً في فقرة “كلام يوصل”، وقبل أن نتحدّث عن الحُلم الجديد لأربعين سنة جديدة بإذن الله، نستمِع إلى راي بـ “كلام يوصل” من الروائيّة والأديبة المعروفة السيّدة “إميلي نصر الله”
كلام يوصل:
إميلي نصر الله: “طلال”، أنا قلتها في إحدى المرّات أنّه كالأخ لك الذي لم تلده أُمّك، أعتبر “طلال” كالأخ. هو يسكن في المدينة وأنا أفهمه جيّداً لأنّ هناك هذا الشيء الذي أيضاً يجمعنا سوياً. أنا أقول لهم أنا فلاّحة أكتُب، و”طلال” بقي هذا الفلاّح الذي يكتُب وينمو وطموحه ونجاحه لم ينسياه الخلفيّات التي جاء منها ولا الناس الذي هو ابنهم والذي برز منهم ولا الأرض التي أنبتته ويبقى فريداً منهم، وكبر هو في عمله الصحافي، وفي الآداب عنده الوجه الأدبي وليس الصحفي فقط، ويُنفِّس بالهوامش التي يكتبها في “السفير” ويكتبها بأُسلوب لطيف جداً وحيوي. نحن نحتفل الآن بالأربعينيّة أي سنة الأربعين لتأسيس صحيفة “السفير” ولا تزال وكأنّها في طور نموٍّ دائِم، لا تزال في صباها وشابة وتتطلّع إلى الأمام برغم كلّ المعوّقات التي تعوِّق الصحافة المقروءة ونسمع عنها، لا تزال “السفير” محترمة، جديّة، حاملة لمشاكِل وهموم الناس “الغلابة”. أنا أقول، إلى جانِب كلّ رجل عظيم امرأة عظيمة، وهي التي تُساعده وأحياناً لا تظهر. زوجته أُختي “عفاف” هي سند كبير له وهي أنشأت عائِلة مُباركة من البنين والبنات وكلّهم تثقّفوا وتربّوا تربية صالِحة على يديها أو على يدي “طلال”، هذه ناحية أنا لا أنساها. هناك ناحية عند “طلال” وهي وفاؤه لأصدقائه وشعوره مع الناس الضعفاء “الغلابة” كما أسميتهم وهو لم يبتعِد عن إثبات ذلك. من يقترِح، بعد عُمرٍ طويل وبعد مدّة طويلة، من هو مؤهَّل مثله للعمل بـ “السفير” والتقدّم بها وإبقائها دائماً على شبابها وعلى نموّها كما هو فعل، بالإخلاص والمثابرة والتواضع الذي عمل ولا يزال يعمل بموجبه؟
زاهي وهبي: شكراً للسيّدة الأديبة “إميلي نصر الله” على مداخلتها الحلوة وعلى سؤالها. بعد عمرٍ طويل من سيتولّى قيادة الدفّة؟
طلال سلمان: أولاً، اسمح لي أن أُحييها، عندي أُخت وزميلة وصديقة ورفيقة عمر. نعرِف بعضنا البعض منذ خمسين سنة
زاهي وهبي: نصف قرن، من زمان
طلال سلمان: خمسون سنة وأكثر قليلاً. التقينا في “دار الصيّاد” واختلفت بيننا الطُرق لكن
زاهي وهبي: بقيتما أصحاباً
طلال سلمان: جداً. أولاً هي نموذجٌ نادر ليس فقط في الإبداع والخُلُق لكن بالحرص أيضاً على الأصدقاء. هي تُقدِّم نموذجاً للمرأة المُكافِحة حقيقةً وبعد ذلك هي مُحِبّة، محبّة للأرض، محبّة للناس. أطال الله في عمرها وألله يعطيها العافية لأنّها مُبدِعة أيضاً
زاهي وهبي: ألله يسمع منك، وجواباً على السؤال؟
طلال سلمان: جواباً على السؤال، طبعاً الآن أنانيّةً، من الطبيعي للمرء أن يحلَم ويفترِض أنّه إذا أولاده عندهم الكفاءة أن يُكمل أولاده. هناك مجهود لمدّة أربعين سنة أو أكثر وأنّ هذا من الحرام أن يضيع. طبعاً هي ليست “تركة”، أنا لا أترك لهم ثروة بل عبئا، وهذا أيضاً محنة لأنّ إصدار الصحيفة في هذا الوقت وفي هذا العصر أولاً مشروع خاسِر، وهذا الذي جعلنا نُحوِّل “السفير” إلى شركة مُساهمة وما زلنا نبحث عن مساهمين إضافيين. إذاً هناك العبء المادّي أو المالي وثانياً هناك الأعباء السياسيّة. إذا البلاد العربيّة مسكّرة على بعضها البعض ولا يوجد مجال للجريدة، فعليهم أن يتعذّبوا كما تعذّب والدهم. لكن والحمد لله عندهم استعداد للتضحية، “هنادي” عندها الكفاءة وعندها لغة جميلة وعندها قدرة على الكتابة وعندها إحاطة وثقافة عامّة. “أحمد” عنده كفاءة إداريّة متميّزة و يلحق عصره بمعنى أن كلّ وسائِل التواصُل الحديثة هي أصلاً من اختصاصه، Computer Science ، فيعرِف هذا العالم معرِفة جيّدة وهو يحاوِل أن يُغذّي السفير وينعِشها لكي تتقدّم في هذا المجال. “ربيعة” أيضاً مهيّأة على الأقل بمميزات محدّدة باعتبارها ذاكرتنا جميعاً. “علي” إذا رجع للرسم أيضاً. من الممكن أن يكون كلّ منهم في مكان وأنا لا أقول أنّهم كلّهم سيكون رؤساء تحرير، لكن أنا أقول
زاهي وهبي: أي لهم مكان في المؤسسة، في الجريدة
طلال سلمان: كلّ منهم بكفاءته وحيث له كفاءة. طبعاً المُستقبل لله لكن أعتقد أن بإمكانهم أن يُكملوا، وربّما تكون ظروفهم أفضل من ظروفي أنا، قد تتوسّع مساحة القرّاء، لكن من حيث المبدأ عندهم الأهليّة ليُكملوا بالتعاون دائِماً مع الآخرين. أنا لم أؤسس السفير وحدي، أسستها مع مجموعة من الأكفاء والمهنيين المُحترفين والمُحترمين
زاهي وهبي: من بقي مستمِرّاً معك منذ البداية الى اليوم؟ منذ أربعين سنة الى اليوم هلّ استمرّوا معك الذين أسسوا؟
طلال سلمان: هناك عددٌ منهم، قلّة طبعاً لأن الفترة هي أربعون سنة، لكن على سبيل المثال وبشكلٍ خاصّ أخونا “ياسر نعمة” الذي أعرِفه قبل “السفير” ، أعرِفه من مجلّة “الحريّة” وكان هو يمسك الإدارة فيها على بساطة إدارتها، وقد رافقني منذ اليوم الأول
زاهي وهبي: ولا يزال صامداً
طلال سلمان: من يوم بدأنا بالاتصال بالناس حتّى نتّفق ولا يزال صامداً معي لغاية اليوم، ألله يعطيه الصحّة وهو ذاكرتنا وذاكرة المسيرة كلّها تقريباً. بعد ذلك هناك “عدنان الحاج” مثلاً
زاهي وهبي: من قدامى المُحاربين
طلال سلمان: نعم. ربما صار له 34 سنة مثلاً، وهناك آخرون كانوا قد تركوا منذ فترة مثل أخانا “ساطع نور الدين” الذي أيضاً أمضى معنا أكثر من ثلاثين سنة
زا

Exit mobile version