طلال سلمان

طلال سلمان في حوار شامل مع أوتلوك

لم يكن لتوقّف جريدة “السفير” عن الصدور ردة فعل عادية في أوساط الصحافة والإعلام اللّبنانيين، بل إن توقّف هذه الجريدة العريقة جعل من مستقبل الصحافة المكتوبة على وجه الخصوص محط نقاش عام، بعد أن كانت عوارض تراجعها تظهر منذ فترة زمنية طويلة نسبياً. وعليه، أجرت أوتلوك مقابلة مع مؤسس جريدة “السفير” ورئيس تحريرها طلال سلمان، في مكتبه في مبنى “السفير” في الحمرا لمعرفة المزيد عن تجربة “السفير” ومدى ارتباطها بالجو السياسي العام وواقع الصحافة في البلدان العربية بشكل خاص. وجاءت الأسئلة على النحو التالي:

لماذا اخترتَ جريدة “الشروق” المصريّة لنشر مقالاتك؟

كنت أكتب في “الشروق” منذ تأسيسها عام 2009 بيد العلاقة المتينة التي تجمعني مع مؤسس الجريدة إبراهيم المعلم، صاحب “دار الشروق” التي كانت تطبع الكتب في بيروت. إذ عندما تعرضت الدار لاعتداء أثناء الحرب اللبنانية، وقفتِ “السفير” إلى جانب “الشروق” فتوطدت العلاقة بيننا.

في إحدى مقالاتك في “الشروق”، قلت إننا نعيش في زمن آخر وهذا التغيّر جعل “السفير” تقفل. لكن بعد النظر إلى الكثير من المواد الأرشيفية، نجد أن نفس الأسماء تتكرّر والأزمات المحيطة بنا لم تتبدل حالها. إذًا كيف نعيش في زمن آخر؟

إن التطور التكنولوجي قد “ذبح” الصحافة المكتوبة. إذا كتبتُ خبرًا اليوم، تقرؤونه في الجريدة غدًا. إن كان معكم خلوي، تقرؤونه بعد خمس دقائق. الشيء ذاته إذا وضعته على الموقع بذلك لم تعد الجريدة المصدر الأساسي للأخبار. إنّ سرعة الوسائل الجديدة للتواصل تفرض على الجريدة إما أن تتحوّل إلى ما يقارب المجلّة أو أن تغير بنيتها من جريدة إخبارية إلى جريدة تحليلية تقوم بتحقيقات أو أن تموت. خير مثالٍ على ذلك، جريدة “السفير العربي” ذات الطبيعة التحليلية.

كيف تصف الدعم الشعبي الذي تلقته “السفير” بعد إعلان وقف الصدور؟

أريد أن أحيّي الرأي العام الذي أظهر تعاطفًا مميزًا وتقديرًا عاليًا لـ “السفير” ودورها وتاريخها إذ تلقّينا كمًّا هائلًا من الرسائل والاتصالات. كانت ردود الفعل متعددة إذ إن البعض بكوا والبعض آخر عاتبوا لكن بالإجمال كان الأمر معزياً.

هل هناك إمكانية بتلخيص تجربة “السفير” بكلمة واحدة؟

أحتاج إلى مجلد لتلخيص هذه التجربة. لكن بكلمة، أقول لا تملكون الحق بلومنا أنا وزملائي فقد قمنا بجهدنا وخدمنا ٤٣ سنة. خلال خدمتنا هذه عشنا حربين ونجونا من محاولات اغتيال عدة.

قبل الحرب اللبنانية، كانت التحركات الطلابية منتشرة في لبنان. ما كان دور “السفير” في مواكبتها ؟

لَعبت “السفير” دوراً كبيراً لم يكن محصورًا بنقل الأخبار. فقد كانت “السفير” تحتوي على مكاتب يلتقي فيها أعضاء الاتّحاد الوطني لطلبة لبنان وأعضاء حركة الوعي وكانوا يتناقشون داخل الجريدة ويتنافسون ويقومون بالتحرير معنا، ومنهم من بقي يزاول عمله في الجريدة.

كنّا مرحّبين بالحركة الطلّابية ومراهنين عليها فقد كانوا هم أصحاب الأفكار والمنطلقات الجديدة. مع الأسف جاءت الحرب ودمّرت كل شيء، خاصّةً الشباب. الآن، غدت الأحزاب الطائفية تستقطب الشباب، فهم لا يجدون الخيارات الأخرى التي  يريدونها. لكنني أؤمن بصدق أنهم سيجدون طريقهم ويخلقون فرصهم بأيديهم. قد يبدأون عشرة أو عشرين أو أربعين، لكنهم عاجلاً أم آجلاً سيجدون المكان الذي ينتمون إليه. قد يكون للمكان صيغة مختلفة لكن هذا الأمر ليس سيئاً إذ لا يمكنهم أن يظلوا حالات فرديّة فطبيعة الحياة وطبيعة المواجهات تفرض ذلك.

البلد مع الأسف بلا شعب. البلد مؤلف من شعوب، كلما اقتربت من أن تصبح شعبًا واحداً، تعود وتفترق مجدّدًا فالطائفيّة متفشّية. إن خرّيجي الجامعات اليوم  يبحثون عن عمل في بلد ليست الكفاءة فيه المعيار، بل الطائفة. بذلك، إذا كان الإنسان محكومًا منذ بداية عمره حتى آخره في خانة المذهب على بطاقة الهويّة، هو ليس مواطنًا، بل رعيّة في طائفته. وبالتالي هذا ليس شعبًا، هذا ليس وطنًا.

أهذه هي النصيحة التي تقدمها لنا، للشباب؟

أكّدوا وجودكم. اخرجوا من الإرث البشع الذي عجز أهلنا عن الخروج منه، كونوا يداً واحدة مهما حاولوا تفريقكم.

ما هي المقالات المفضلة لديك؟

من الصعب أن أختصر عقودًا في هذه المهنة. لكن وللهروب من المقال السياسي كنت أكتب “هوامش” خلال فترة معينة في الصفحة الثقافية. أحب الجمال والبسمة الحلوة والشعر والرواية وكنت أقوم بحوارات مع مثقّفين كبار. هذه الأمور كانت تنعشني وتذكّرني بالأشياء الجميلة في الحياة.

قلتَ إن هذه المقالات كانت ُتخرجك من المستنقع السياسي وتذكرك بالإنسان في داخلك. سأقوم بمقاربة في هذا السياق. في مناهجنا في الجامعة، متوجّب على الطالب تسجيل مواد من خارج اختصاصه، من إنسانيات وعلوم اجتماع. هل تجد ذلك مفيدًا لهم؟  

طبعاً. هذه المواد متنفّس للطالب، كي لا يجد نفسه محاصرًا. إن مواد الاختصاص مُقررة وسيعود إليها ويجب أن ينجح بها. لكن من أجل أن ينجح الطالب، يجب أن تكون له محطّات استراحة، أن يقرأ شيئا آخر، أن يرى شيئًا آخر. بما أن الإنسان بطبيعته متعدد الاهتمامات تساعده هذه المواد على التقدم والتطور.

قبل الانتقال إلى العمل اليومي في “السفير”، كان عملك أسبوعيًا في المجلات. وهذا ما سوف يقوم به الطلاب الخريجون. ما النصيحة ليكون هذا الانتقال أكثر سلاسة؟

الصحافي صحافي لكن بالطبع ثمة فرق. الصحافي اليومي يلاحق الأخبار والطاقم السياسي. العمل الأسبوعي فيه فسحة للتفكير ومتعة اختيار الموضوع. ثمة وقت لكتابة المقال وإعادة كتابته. ليس العمل الأسبوعي معنيًا بالعمل الإخباري البحت إذ فيه تحليل وتدقيق ومساحة أوسع للنقاش. استمتعت جداً بالعمل الأسبوعي أثناء مسيرتي فقد سمح لي بالتعرف على أماكن جديدة وقضايا جديدة

أجرت المقابلة بترا رعد لمجلة “اوتلوك” outlookaub

Exit mobile version