طلال سلمان

طلال سلمان ..الثقافة المحصنة بسلامة الوجدان

المال الذي افسد كل شيء في المجتمع الاستهلاكي المتخلّف، يقبض على رقبة مجتمعنا بمعظم توجهاته، ويفسح في المجال واسعاً أمام أرباب التجارة بأبشع وأحطّ أساليبها، إلى أن يفسد العمل السياسي والعلاقات بين الأفراد وبين الجماعات في الوطن الواحد إفساداً مطلقاً ويشيّء الإنسان – أي يحول إلى شيء – حتى يصبح هذا الإنسان في حاجة إلى ترميم، ويصبح المجتمع في حاجة إلى تحويل السياسي ألظرفي إلى ثابت فكري، مما يهيئ الصدق والأمانة إلى أن يأخذا بثأر الحياة من كل الانحرافات والتقلبات.
وفي بعض ديارنا الشرقية صفحات مشرقة في هذه المرحلة الزمنية الظلامية التي تسودها آفتان غائلتان هما السياسة بمفهومها المعروف والمكشوف في المجتمعات المتخلفة، والتجارة بأقبح مبانيها وأحط معانيها، وكل منهما في خدمة الأخرى بلا تراجع.
ومن أصحاب هذه الصفحات المشرقة بلبنان قومٌ يحاولون أن يجعلوا للحياة في المجتمع معنىً أجمل وحضوراً أعمق، وهم أصحاب المفهوم السليم في هذا الباب وهو أن الانتماء إلى الوطن – أي وطن – ليس إلا ملمحاً من ملامح الانتماء الإنساني، وان الذين يسيرون في غير هذه الطريق يهبطون وهم يظنون أنهم يصعدون.
من هؤلاء الـ أصحاب”، أصحاب الصفحات المشرقة بعيداً عن معظم أصحاب السعادة والمعالي والدولة والمال، فئات يمتلئ الفرد منها بنفسه ومفاهيمه وبالناس جميعاً، وهي فئات المثقفين والمفكرين الشرفاء والناس الطيبين الذين يشبه واحدهم شجرة الصندل التي تعطر الفأس التي تقطعها، إذ يخالف الجمهور الميال إلى حيث يومئ له أصحاب المصالح الشخصية وطلاب المناصب والمكاسب أهل النفاق والغباء والشر جميعا.
من ابرز أفراد هذه الفئة من رجال الثقافة والفكر والعمل الأدبي والإعلامي تغليباً للمصلحة العامة، وتحطيباً.. لمصالح عشاق المناصب والمراتب وطلاب المغانم والمكاسب، صديقنا طلال سلمان الذي تؤكد سيرته العفيفة النظيفة أن الإنسان إذا اتحد بالمحبة يبطل في حسابه مفعول كل الأنظمة الاجتماعية وتتسع أمامه الطريق إلى مصادر راحته وأسباب سعادته وهي راحة الآخرين وسعادتهم!!
طلال سلمان صاحب نزعة شديدة لمكافحة المظالم وما ينافي كرامة الإنسان. لذلك تراه يعمل جاهداً لمستقبل إخوانه الآدميين في المجتمع المتعب وكأنه يزرع الغد في ارض الحاضر، وما يوفر له الوقت الكافي للكشف عن الأخطاء والأغلاط والواقع القائم وراء الكثير الكثير من الأقوال والأعمال المغطاة بالإعلانات الكاذبة والادعاءات الملفقة التي يجيدها التجار المشتغلون في السياسة في خدمة المصالح الشخصية الخالصة.
ولما كان هناك ما يدل على أن الثقافة المحصنة بسلامة الوجدان لم تغب كلياً ونهائياً عن سماء الشرق، تحرك في أعماق طلال سلمان، كما في أعماق الطيبين من المفكرين، الميل الشديد إلى خدمة الوطن وإنسان الوطن عن طريق العمل الدائب في الصحافة. وكانت جريدة “السفير”. وأحب القراء أسلوب طلال في عمله هذا الآخذ من الموضوعية الخالصة والصدق والأمانة والصراحة المطلقة في عرض الرأي والموقف كما في عرض الخبر، على شيء من الدعابة والمفاكهة حيث يصلح الدخول قليلاً في هذا الباب.
الصحيفة في لبنان، كما في جميع أقاليم الأرض بلا استثناء وفي كل الأنظمة، صورة تمثل المسؤول عن تحريرها مئة في المائة، والعكس ليس صحيحاً على الإطلاق، بل ليس فيه من الصحة نسبة واحد إلى ألف. فما من مسؤول عن تحرير صحيفة وعما تكشف عنه من مواقف وآراء وأمنيات، وفي ما تدعوك إليه أو تحاول إبعادك عنه من آراء ومواقف، يكون صورة عن صحيفته. فالصحيفة مجموعة ورقية من صفحات بيضاء فارغة تصبح بعد تحريرها صورة عن محرريها أو مجموعة صور..

جورج جرداق

الطريق، 192013

Exit mobile version