طلال سلمان

طرابلس جان عبيد…

ضاقت اللوائح الانتخابية في الشمال على جان عبيد، فلم تتسع له أي منها، وهو الذي طالما اتسع عقله، ومن بعده القلب للجميع: من استخصموه ليكبروا بخصومته، ومن حالفوه ليؤكدوا سلامة نهجهم بشهادة وجوده فيه.
اعتذر منه »الأقطاب«، الذين طالما شهدوا له بالكفاءة والنزاهة والشجاعة، لأنه قد يخلخل تحالفاتهم الهشة، أو لأنه أقوى بشخصه المفرد من صفقات التواطؤ معه أو عليه، فهو لم يقبل يوماً أن يعلن غير ما يضمر، ولم يرتضِ علاقة يخجل بها، ولذلك كان عليه أن يواجه وحوش الميليشيات وتهديداتها المتلاحقة بالشجاعة التي واجه بها من قبل تجني السلطة وضيقها بكلمة الحق وبشهادة الحق… وكما واجه من بعد مختطفيه الذين أحرجهم بالوطنية فأخرجهم، وناقشهم في الدين فأفحمهم، ثم انقلب يحاول هدايتهم الى العروبة فخافوا منه على أنفسهم وأطلقوه منعاً للغواية.
لقد اجتمعت عليه »سيوف المتخاصمين« فقام بينهم حلف غير مقدس لاستفراده، وهو الكثير، ولاستبعاده، وهو الذي يقرب المتباعدين، والذي يملك تلك القدرة المذهلة على الاختراق والوصول الى قلوب الناس عن طريق عقولهم.
كثير هو جان عبيد، ثقافة واستنارة، تجربة وخبرة، عروبة صافية ووطنية صادقة، صراحة ومواجهة، حافظاً لأسرار الكرام ولعهود الالتزام بالقضية: فهو العربي بامتياز، بدءاً بفلسطين النضال وانتهاء بأي قلعة عربية ما زالت تقاوم الانهيار تحت الضغط الاجنبي أو الانحراف الداخلي.
كثير هو على مقعد نيابي، وكثير على منصب وزاري، وكثير على لائحة انتخابية هذا الذي يعرف ما لا يقال، ويعرف كيف يكتب فينبه الى الخطأ ليردع المخطئ عنه وليس لكي ينتقم منه بإذلاله.
كثير هو هذا المناضل في زمن الصعوبة، المقاتل ضد اتفاق 17 أيار بالشراكة المفتوحة مع الشهيد رفيق الحريري، المقاوم ضد الميليشيات في زمن الموت على الهوية، المعتذر عن قبول الرئاسة بطوفان من الدم.
لقد خسرت طرابلس ابناً باراً بها، حملها في نور عينيه منذ شبابه الاول، وأسعدها ان أتيحت لها الفرصة ذات يوم لتعقد له شرف تمثيلها… وهي ستظل تراه »النائب« عنها، بقدر ما هو »النائب« عن كل الذين غيبتهم لوائح الصفقات فحرمتهم شرف تمثيل أهلهم في مختلف مناطق لبنان.
جان عبيد: لم تدخل القلوب بمرسوم، ولم تدخل العقول عبر لائحة انتخابية. ولسوف تبقى حيث أحلّك الناس من نفوسهم باحترامهم لتاريخك معهم، وليس بتزكية من آخرين، لن تنفع اللوائح في تزكيتهم، حتى لو كانت مذهبة، ومفتوحة للوافدين بقوة المد الطائفي أو بالانزال الجوي على من لم يعرفوه ولم يطلبوه ولن يعترفوا بشرعية تمثيله لهم.

Exit mobile version