طلال سلمان

ضعف اقوياء

لا تستطيع الولايات المتحدة الأميركية، بكل جبروتها، أن تحمي إسرائيل من هشاشتها الداخلية ومن انقساماتها المتوالدة باستمرار.

فما العمل إذا كان صوت «نائب» ملتحق بالكيان مثل عبد الوهاب الدراوشة أقوى من الفيتو الأميركي في مجلس الأمن الدولي؟!

لا يعني هذا أن الدراوشة أقوى من كلينتون، ولكنه يعني أن إسرائيل، بتكوينها الذاتي، تحمل أسباب اندثارها، وأن صلابتها لـم تصبـح أسـطورية إلا فـي ضـوء التهافت العربي غـير المحدود،

لقد بدا المشهد كاريكاتوريد خلال الأيام القليلة الماضية: واشنطن تصفع بالفيتو الأول منذ نهاية الحرب الباردة العرب مجتمعين، مجاهرة باستهانتها بقدرة العرب على الفعل، وفي الزاوية الأخرى يبدو إسحق رابين وهو يرتعد فرقد من أولئك الذين تنازلوا له عن كل شيء مقابل أن يغفر لهم ما تقدم من تاريخهم ويعفو عنهم ويبقيهم في مواقعهم المتهالكة!!

هل يندرج الموقف الأميركي الجديد من المفاوضات على المسار السوري ـ الاسرائيلي في هذا السياق؟!

هل ابتلعت الادارة الأميركية الموقف السوري الحاد، الذي عبّر عنه وزير الخارجية السوري فاروق الشرع، فور خروجه من لقاء الرئيس الأميركي كلينتون، حين أعلن رفضه للمقترحات الإسرائيلية التي قدمت وكأنها مقترح أميركي؟!

وهل عدّلت واشنطن في هذه المقترحات التي هاجمتها دمشق بعنف، معلنة فشل المحادثات مع كلينتون، بينما هو ما يزال في العاصمة الأميركية، وهو أمر ملفت نادرد ما تلجأ إليه الدبلوماسية السورية الهادئة إلى حد البرودة أحياند، في ردود فعلها؟!

إن أمرد ما قد حدث في الفترة الفاصلة بين لقاء كلينتون ـ الشرع، وبين إعلان كريستوفر عن النجاح في تحقيق توافق سوري ـ إسرائيلي على إطار عام للتدابير الأمنية؟!

وهذا الأمر يتصل بإسرائيل وليس بأي طرف آخر،

فلا دمشق في وارد تعديل سياستها جوهريد، وليس ثمة ما يضطرها إلى ذلك،

ولا للادارة الأميركية، في هذه اللحظة، من القوة ما يمكّنها من فرض المرفوض على الجانب السوري، أما على الإسرائيلي فالفرض غير وارد في مطلق الأحوال..

مفهوم أن تحاول الادارة الأميركية شراء الوقت لنفسها كما لحكومة إسرائيل، لكن الثمن الذي تهيئ لدفعه لا يكفي لتحقيق «اختراق»، خصوصد إذا كان المطالب بتحمّل نتائجه هو رجلها في تل أبيب (رابين) وحزبه الذي يعـاني من متـاعب داخلية حادة.

ومع «أن الطريق ما يزال طويلاً، للوصول إلى اتفاق حول المحاور الأساسية الأربعة: الحدود النهائية، الجدول الزمني للانسحاب، واختبار التطبيع الكامل إضافة إلى الترتيبات الأمنية»، كما يقول رابين، فإن شيمون بيريز عاد يكرّر التصريح الذي اضطر إلى سحبه ونفيه قبل مدة عن الاستعداد الإسرائيلي للانسحاب الكامل حتى الحدود الدولية..

وإذا ما صدقنا أن إسرائيل مضطرة لمثل هذا «التنازل» فإن ذلك لن يكون «لبنة في صرح السلام»، كما يقول وزير الخارجية الأردني، ولكنه قد يكون رصاصة الرحمة على اتفاقات الصلح المنفرد السابقة (أوسلو ووادي عربة)…

لا مجال للأوهام، فلا واشنطن قوية إلى هذا الحد، ولا إسرائيل ضعفت فجأة فصارت مضطرة لأن تقبل التسوية بشروط عدوها العربي الصلب حافظ الأسد.

لذا فعلى الأرجح أن ينتهي هذا التطور عند حدود استئناف المفاوضات السورية ـ الاسرائيلية، ودائمد بالرعاية الأميركية، وهو مطلب أميـركي أسـاسد، يريـده الإسرائيلي ولا يـرفضه السـوري.

وإذا كان أسامة الباز قد أرجأ احتمال «الاتفاق» من نهاية هذا العام إلى بدايات العام المقبل، فإنه قد لجأ إلى المواعيد الانتخابية في كل من تل أبيب وواشنطن والتي بات واضحد أن «الصوت السوري» سيكون له تأثيره فيها.

والصوت السوري أشد تأثيرد بما لا يقاس من صوت عبد الوهاب الدراوشة، مع الإشارة إلى أن الإسرائيليين قد اعتبروا الدراوشة ذاته بعض ذلك الصوت السوري.

ü ü ü

«أمبراطور الكون» بلا هيبة، و«روما القرن» العشرين بلا وقار العراقة والمجد الثابت، فالقوة وحدها لا تأتي بالعظمة. قد تشيع الخوف وتفرض على الآخرين الاستكانة، ولكنها لا تستولد الاحترام.

ومع أن محاولات الاعتداء على سيد البيت الأبيض أقرب إلى الكاريكاتور ولا توحي بوجود مخطط ومخططين، إلا أنها تكشف في الوقت نفسه أن ذلك «البيت» الذي حلم بناته بأن يبقى بلا حراسة لأنه «بيت الشعب» لم يعد كذلك أبدد، خصوصد وأن الذين استهدفوه جميعد هم من «الداخل» لا من «الخارج»، ومن «الشعب» إياه وليسوا «مرتزقة» أو حملة «مبادئ هدامة» و«أفكار مستوردة».

إن واشنطن هي، بلا شك، عاصمة الدولة الأقوى، لكن الادارة الأميركية ليست بالتأكيد أقوى الحكومات، بل لعلها ليست قوية بالقدر الكافي إلا على الضعفاء أصلاً (كالعرب) أو على من تسترهنهم منذ الحرب العالمية الثانية كاليابان.

لهذا كله يظل من الفطنة التعاطي مع هذا التطور الجديد على المسار السوري ـ الإسرائيلي وكأن مداه الأقصى استئناف المفاوضات، باعتبارها مطلوبة لذاتها أكثر منها لنتائجها التي لا يبدو أن أيد من الأطراف جاهز الآن لتحمّل أعبائها الثقيلة.

Exit mobile version