طلال سلمان

صور ودواليب هواء

بعد منع التظاهر والاضراب، ها هي سياسة القمع تمتد إلى العواطف: هل من اعتداء أشنع من رفع صور القادة والمراجع والفعاليات والأقطاب وكلهم معبود الجماهير، وهي كانت تزيّن الشوارع والساحات ومستديرات الطرق وواجهات بعض المباني الاستراتيجية؟!
كيف سيتعرَّف المواطنون بعد اليوم، إلى أولي الأمر فيهم؟!
.. وكيف سيعبِّرون عن رأيهم في المسؤولين عن حالة الرخاء والبحبوحة والازدهار التي ينعمون بوارف ظلالها؟!
البعض يعترض مغمغمù: إذا رُفعت الصوَر حقù سينكشف حكّامنا!
وبعض آخر يدور بسؤال وجودي محيِّر مضمونه: ما الفرق بالضبط بين صورة الحكم وبين الحكم بالصورة؟
أما البعض الثالث فيطرح مسألة أخطر: كيف سنتعرّف إلى مدننا وأحيائنا فيها وبيوتنا داخلها بعدما أزيلت العلامات الفارقة التي كانت تدلنا إليها، وتمنحنا في الوقت ذاته فرصة لرفع عقيرتنا بالتحية المطهرة؟!
* * *
أما وقد رفعت الصور الحاكمة، بالأمر، فكيف العمل مع دواليب الهواء؟!
من دواليب الهواء؟!
إنهم »قفا« الصور التي رفعت، أو الوجه الآخر، أو الجزء المتمم لها!
إنهم، بتعبير آخر، ذلك الرهط من متعاطي السياسة سواء كمحترفين أو كمجرد هواة واتتهم الفرصة في غفلة لتصدر الصفوف اما لغياب »الأصيل« أو لتعذّر »البديل«،
وفي لبنان، أثبتت التجارب والمحن أن »البديل مستحيل«: فالمختار هو الوحيد المؤهل لموقعه الخطير، وكذا رئيس البلدية وعضو المجلس البلدي، فكيف بأصحاب المناصب الأخطر في مركز القرار، كالنواب والوزراء وأصحاب الدولة والفخامة؟!
لماذا هم دواليب هواء؟!
لأنهم مثلها لا يكفون عن الدوران، ومثلها يدورون حسب اتجاه الريح، فلا يرسمون ولا يرتبطون بمسار أو بمنهج ولا يساعدون تائهù في التعرّف إلى الاتجاه الصحيح!
هي »تبرم« وهم »يبرمون« من اليمين إلى اليسار، من اليسار إلى اليمين، من الشرق إلى الغرب، ومن الغرب إلى الشرق، ومن غرب الشرق إلى شرق الغرب، من فوق إلى تحت، ومن تحت إلى فوق،
يقولون بالانتخاب ثم يدورون فإذا هم متحمسون للتمديد،
يترنّمون، كما في الهيكل، بالقدسية المطلقة للدستور، ثم ينظمون القصائد في ضرورة تعديله، ويستغربون أن يستهجن أحد هذا الدوران والتحوّل من النقيض إلى النقيض!
يقولون بضرورة وقف الهدر والتسيّب وترشيد الانفاق ثم يدورون ليسفِّهوا كل من يطالبهم بترشيد النهب والسرقات والاختلاس العلني عبر التلزيمات الكبرى وصفقات التنفيذ »غب الطلب«!
يوجهون أقسى الاتهامات إلى أحد المشروعات الأثيرة لديهم، مثل الهاتف الخليوي، ثم يدورون فيطالبون الشركات المتهمة بالتقصير والإخلال بالعقود بضرورة أن تزوّدهم بهواتفها التي قالوا إنها لا تعمل وإنها كانت وسيلة لنهب المواطن!
* * *
الصور مثل دواليب الهواء: لا تنتج حياة سياسية!
والصور مثل دواليب الهواء: لا تنفع مطلقù في ابتداع حلول للأزمات الفعلية والمعروفة الأسباب والمسبِّبين!
فكيف وبمن ومتى سيتم التصدي الجدي لهذه الأزمة الاقتصادية الاجتماعية التي تعصف باللبنانيين، بكل تجلياتها الطائفية المذهبية؟
ومن أين، في ظل الصور ودواليب الهواء، ستجيء السياسة؟!
وكيف يمكن أن ينتظم النقاش في الشأن الوطني، فضلاً عن إمكان تحويله إلى حوار صحي يمهد لبرنامج إنقاذ لبنان ما بعد الحرب؟!
مَن عنده القدرة على إنطاق الصور؟!
مَن عنده القدرة على إنتاج الزبدة من دواليب الهواء؟!
مَن يملك الجواب جائزته »صولد« محترم لكي يجرّب حظه في الكازينو الذي يستعيد روحه بينما الدولة تكاد تفقد روحها بعدما »طلَّعت« أرواح اللبنانيين!

Exit mobile version