طلال سلمان

صورة مقربة عهد جديد وحكومة وحدة وطنية معدلة مذهبيا

هَزُلَتْ!.. ولم تعد أخبار لبنان عنواناً لمأساة عربية مفتوحة، ولا هي رجعت إلى حيث كانت طرائف ولطائف فريدة يتسلى بها »العرب« وهم يتابعون لعبة المضاربة بالأسهم في ظل التهاب أسعار النفط ومشتقاته الحارقة!تحوّلت »أخبار« لبنان إلى فصول متهافتة في مسرحية كوميدية هابطة يستشعر »جمهورها« المهانة والإذلال وغربة الطبقة السياسية الحاكمة عن الناس وهمومهم الثقيلة، وأولها وأخطرها هذه الخفة في تناول »الشأن العام«…هذه »عينة« لمن يريد أدلة حسية على »طرافة« الوضع الذي ما زال خطيراً في هذا الوطن الصغير المهدد في كيانه:رئيس الجمهورية، المنتخب بما يشبه الإجماع، كثمرة لسلسلة من العجائب والغرائب والقرارات الخرقاء، أشبه »بمعتقل« في قصره، يستقبل ويودع، تجيئه الوفود مستبشرة فتسمع منه نواياه الطيبة ثم تنصرف وهي مشفقة عليه من أفكاره التوحيدية التي تربى عليها في الجيش، والتي تعاني من نقص »الأوكسجين« خارجه…رئيس المجلس النيابي ينتبه إلى أنه يكاد يكون بلا عمل فيغيب في حرجه أياماً ثم »يقطع جولته الخارجية« ويعود ليباشر من جديد مهمة »استقبل وودع« و»شجع وتمنى التوفيق«…في الظل، تبدأ اللجان النيابية مناقشة مشروع أشوه لقانون معتق للانتخابات يؤكد الانفصال إلى حد التجافي أو القطيعة بين قطعان الرعايا: ليذهب كل منهم في سبيله إلى »اختيار« الأعرق في طائفيته أو الأثبت على مذهبيته…… والسرايا فارغة إلا من الرئيس المكلف تشكيل الحكومة… والتشكيل مهمة دقيقة، تتطلب بعد حفلات المصارعة للتوافق على النسب، حفلات ملاكمة للتفاهم على المرشحين لدخول نعيم الحكم، ثم تحين ساعة الامتحان الشفهي عبر »جلسات استماع« للتثبت من »الكفاءة«. لا تسل كيف! هذا واحد من أسرار الدولة التي لا بد من حفظها حتى لو غابت الدولة!في هذه الفترة من »التشاور« لا يتوقف الزمن طبعاً، ولا تكف أسعار الحاجيات عن مواصلة الارتفاع من 30 إلى 40 في المئة: في المياه، والنفط ومشتقاته، المازوت والبنزين والفيول، الفواكه، المواد الأولية عموماً والخبز… قبل التوقف أمام الأقساط المدرسية وهموم الشتاء… ومعها جميعاً الحكومة الجديدة ومعارك الإدخال إليها والإخراج منها، قبل الانتقال إلى »حروب« ما بعد التشكيل من تعيينات وتبديلات في »مواقع القرار«، مدنية وعسكرية ومن ثم قضائية، ودبلوماسية، وإدارية بالطبع…[ [ [أية حكومة، وأية وحدة، وأية وطنية؟!بعد أربعين يوماً من اتفاق الدوحة نجد أنفسنا خارج اتفاق الطائف: نمشي »بأقدامهم« إلى سجن الطوائف وقد تعزز بملاحق مذهبية،مرة أخرى: الوزير العتيد هو الأكثر طائفية من أقرانه ـ منافسيه. لا تهم الكفاءة، لا تهم الجدارة، لا يهم تاريخه الشخصي وما قد يتضمنه من فضائح وارتكابات وجرائم، الطائفية تجب الذنوب جميعاً. هي قانون العفو عن الماضي والدليل إلى المستقبل.لا تستطيع هذه الطبقة السياسية، بالأصيل من أركانها أو الطارئ بالتزكية الخارجية، أن تحفظ وحدة وطنية، فضلاً عن أن تبني دولة.ليس السفراء الأجانب متطوعين هبوا، مدفوعين بشهامتهم، لنجدتنا وإنقاذنا وتطهيرنا من آثام الانقسام والافتراق إلى حد التصادم في الشوارع، هذا إذا نحن برّأناهم من مهمة الضلوع في تعميق أسباب الخلاف.أما الامتحان الشفهي للمرشحين لدخول جنة الحكم فيمكن تلخيصه بأسئلة محددة من نوع:ـ أثبت أنك أكثر طائفية من منافسيك! أثبت لنا بالدليل الحسي أن ليس لك صديق أو رفيق أو حتى »معارف« من خارج ضيعتك أو زاروب بيتك في المدينة. قدم لنا سجلك العدلي لنعرف في كم من المعارك الطائفية شاركت؟!ـ اثبت جهلك بالمناطق اللبنانية الأخرى… أنك لم تكن يوماً في الأرز أو في بعلبك! أنك، أبداً، لم تزر بنت جبيل أو الخيام، ولم تشرب من مياه الحاصباني ولا أنت سألت عن مصبها! أنك لا تعرف أين تقع بعذران أو كفرحونة! أنك لم تدخل برج حمود مرة، ولم يصدف أن قصدت مزيارة، أو رعيت ود أصدقاء في طرابلس أو تجولت في عكار! اقسم أنك لا تعرف طورزيا أو يحشوش، ولا قادتك طريقك يوماً إلى العاقورة أو البترون! احلف أنك لا تعرف أين تقع الهرمل ولماذا يهجرها نهرها العاصي متجهاً إلى الشمال! وماذا عن بيروت، هل أنت من شرقيها أم من غربيها أم من منطقة الفصل الجديدة داخل »الغربية« ومن حولها، وبين أرمن الشرقية وعربها؟![ [ [لا دليل ولا مرشد لقراءة الأحوال السياسية في لبنان وتقلباتها، خصوصاً عندما يفصل هذا الوطن الصغير عن محيطه الطبيعي، أي عن واقعه الجغرافي والتاريخي.لقد انتقلنا أو أننا نُقلنا من أزمة كونية عظمى يشتبك فيها »معسكر الديموقراطية والحريات وحقوق الإنسان« طلباً »لشرق أوسط جديد« مع »محور الشر«!! إلى أزمة مقاعد في حكومة انتخابية بعد تقطيع الكيان إلى برزخ من الجزر الطائفية والمذهبية لا اتصال بين الواحدة والأخرى ولا تلاقٍ على المشترك، بل »تصويت« على حالة من الانفصال غير معلنة بين البلدات التي تبعد الواحدة عن الأخرى مسافة العين عن الأذن والذراع عن الصدر…. وإلى حروب مفتوحة في الداخل، على الداخل، عناوينها سياسية ومضامينها طائفية سممت العلاقات الإنسانية وضربت صلات النسب والجيرة وصنفت أكثرية اللبنانيين عملاء للخارج (غير الأميركي) وأنكرت على المجاهدين جهادهم وكادت تقدمهم للمحاكمة بتهم إرهاب إخوتهم الأقربين…كيف تبني حكومة وحدة وطنية بأبطال الفتنة؟وكيف تحمي النظام الديموقراطي بالطوائفيين والمذهبيين؟كيف تحفظ عروبة لبنان بالعداء المفتوح والمطلق مع سوريا، نظاماً وشعباً، وببعثات التفتيش الدولي على »المتسللين« عبر الحدود؟!وكيف تحفظ كرامة الشعب وعروبته بهذه الحملة العنصرية على الفلسطينيين؟وكيف تحفظ »دور« لبنان والطبقة السياسية ـ التي استحوذت على الحكم، بالنصف زائداً واحداً!! ـ قد اعتمدت الإدارة الأميركية مرجعاً أول وأخيراً حتى وهذه الإدارة تجاهر بأنها كانت في قرار الحرب الإسرائيلية على لبنان في تموز ،2006 فضلاً عن مجاهرة وزيرتها أمس، بأنها »فخورة« بحربها التي دمرت العراق وشعبه الذي جعلته عشرين مليوناً بعد حسم ضحايا »تحريره« على أيدي القوات الأميركية وشركات القتل بالأجر التابعة لها![ [ [»العهد الجديد« تعبير مجازي، يصعب استخدامه في هذه اللحظة،لقد أعيد لبنان إلى أسوأ مما كان فيه وعليه في ظل الاستعمار الأجنبي…. مع ذلك فلا بد من حكومة لن تكون جديدة بأي معيار، ولن تتقدم بلبنان وشعبه، وعساها لا ترجع به إلى حيث لا يبقى وطناً وله دولة بنظام طوائفي… ديموقراطياً!

Exit mobile version