طلال سلمان

صورة “إسرائيل العظمى” تتضعضع.. لكن أين العرب؟

غزة ـ حلمي موسى

اليوم الثالث والثمانون، والأمل يكبر بقرب انكسار العدوان وتحقيق حقوق شعبنا في السلامة والأمان والتحرر والتحرير.

كتب المعلق الأمني لصحيفة “هآرتس” يوسي ميلمان مقالا أمس جوهره أن نتنياهو وافق بعد حرب 2014 على خطة للقضاء على “حماس” مقابل تطبيع وسلام مع دول عربية كثيرة، لكنه سرعان ما تردد في تنفيذها. وأشار الى أن تلك الخطة وُضعت فيما كانت اسرائيل في نظر المنطقة تُعدّ قوة عظمى، إلّا أن ما تحاول انجازه الآن يجري وهي أضعف مما كانت عليه حينها.

وتترافق أقوال ميلمان مع الكثير من المقالات التي تعبّر عن أن ما تستخدمه إسرائيل من قوّة تدميرية، وما تملكه من قوة، لم تنجح في جعلها تبدو أقوى، إن في نظر نفسها أو في نظر العالم.

والأمر ذاته يتردد في أوساط الكثير من الفلسطينيين والعرب ممن رأوا بأم العين أن 7 اكتوبر أظهرت أن اسرائيل هي “بعبع” في بعض جوانبها أكثر مما هي فعلا قوة عظمى. كما أن استمرار الحرب في غزّة وطول مدّتها بينت، في جانب هام منها، أن الكيان الذي أنشئ للسيطرة على أمة بكاملها وهزيمة جيوشها كلّها، يواجه مصاعب حقيقية في تحقيق انتصار واضح وحاسم على قوة لا يزيد عديدها عن بضعة آلاف. والأهم من ذلك كلّه هو أنّ 7 اكتوبر وما تلاها من مقاومة باسلة أظهرت أنّ كل ما جرى ويجري الحديث عنه عن أجيال الحرب والتكنولوجيا العليا يصطدم بواقع أنّه يمكن لوسائل بدائية وبما يتوفر من مواد، إذا استخدمت بعقل، أن تشكل تحديا هائلا. فيمكن لصاروخ أو قذيفة كلفتها عشرات أو مئات الدولارات أن تربك وتحيّد أو تدمّر حتّى معدات وأجهزة وصواريخ كلفتها ملايين الدولارات.

ويقود ذلك الى مسألتين مهمتين: الأولى تتعلق بالحرب على غزة والثانية تتعلق بالحرب على لبنان.

في الحرب على غزة، يُكثر القادة الاسرائيليون من الحديث عن انتهاء مرحلة عملانية أخرى من المعارك والانتقال قريبا الى مرحلة جديدة أساسها حزام أمني شرقي القطاع وغارات “جراحية” لمحاولة تحقيق الأهداف المتبقيّة للحرب في الشهور المقبلة. أي، باختصار الانتقال من الحرب كثيفة التدمير الى حرب استنزاف لحماس.

أما في ما يتعلّق، بلبنان، فيُكثر قادة إسرائيل من إطلاق التهديدات بشن حرب تعيد لبنان، كما غزة، الى العصر الحجري. ولكن التهديد شيء والفعل شيء آخر.

فالولايات المتّحدة لا تريد هذه الحرب في لبنان وليست متحمّسة لها. وهي، كما يبدو، لا تشجّع أي عمل عسكري واسع حتى ضد اليمن، لأنها لا تريد حربا واسعة في المنطقة. وبالتأكيد، فإن الحرب مع لبنان ستكون أوسع وربما تفتح أبوابا مغلقة على الجحيم في المنطقة، بالنسبة لإسرائيل أو بالنسبة للوجود الاميركي في المنطقة.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن الجيش الإسرائيلي الذي تعذّر عليه حسم المعركة في غزة، سيجد الوضع في لبنان أكثر صعوبة بكثير، سواء لجهة إمكانية اتساعها، أو من ناحية انفتاح لبنان على سوريا امتدادا للعراق وإيران، أو لجهة القوة والخبرة القتالية التي تراكمت لدى حزب الله والمقاومة في لبنان.

وإذا لم يكن كلّ ذلك كافيا، فإنّ الإنتاج العسكري الأميركي، لاسيما إنتاج الذخائر، والذي يواجه الكثير من المصاعب لتلبية طلبات كلّ من إسرائيل وأوكراينا، سيواجه حكما مصاعب أكبر إذا وقعت حرب مع لبنان.

ومعروف أن الجيش الإسرائيلي صار يعاني من نقص في الذخائر، ومن عجز أميركي، مفتعل أو حقيقي، عن توفير متطلباته.

ويكاد الاقتصاد الإسرائيلي يكون على حافة الانهيار، سواء بسبب خروج قسم كبير من القوى العاملة من خطوط الإنتاج، أو بسبب تراجع خطوط الإمداد وارتفاع تكاليفها.

وقد أُعلن اليوم أن مليوني إسرائيلي باتوا تحت يعيشون خط الفقر في دولة كانت تعتبر بين الأكثر تقدما وتطورا في العالم. وتدل الأرقام على تراجع قدرات الإنتاج التكنولوجي العالي في إسرائيل بسبب الحرب.

 وفي الوقت ذاتها، تهدد إسرائيل باقتراب “إغلاق نافذة الفرصة” لتسوية سياسية تبعد حزب الله الى ما وراء الليطاني، وبأن مهلة هذه التسوية التي تقودها كل من واشنطن وباريس، باتت تنفذ.

وإذا كان لكل ما سلف من معنى، فهو أن الزمن حين كانت إسرائيل “تسرح وتمرح” وتفعل كل ما يخطر ببالها في المنطقة قد انتهى، وصار لزاما عليها ان تحسب ألف حساب لكل خطوة تخطوها.

لم تعد إسرائيل بعد 7 اكتوبر القوة الإقليمية العظمى. إلّا أنّ مأساة منطقتنا تكمن في أنه لم تبرز حتى الان قوة عربية قادرة على الإعلان بأنها صاحبة القرار في إعادة ترتيب الأوراق في الإقليمية، فلسطينيا وعربيا. والخوف هو أن تبقى أوراق المنطقة بأسرها في يد الولايات المتّحدة، ما يعني بقائها في يد إسرائيل، حتى ولو كانت لم تعد قوية كما كانت في الماضي.

Exit mobile version