طلال سلمان

صفقة معلومات ملكية

في المعلومات الملكية الأردنية أن »المفاوضات« بين الفلسطينيين والإسرائيليين حققت من »التقدم« فعليا، وعلى قاعدة »مقترحات« الرئيس الأميركي (السابق) بيل كلينتون، أكثر مما توحي به »الأخبار« أو »التصريحات« أو حتى »الجولات« التي ما إن تتوقف عند بعض »العقبات« التي تقارب »المحرمات« حتى تعود فتنطلق من دون سابق إنذار، وبغير أن يبدو وكأن أحد الطرفين قد أجبر الآخر على »تنازل« يبرر استئناف جولات الكلام المفتوح!
وفي هذه المعلومات الملكية أن بين الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي، »تواطؤا« يكاد يكون معلنا لإطالة أمد المفاوضات حتى أواخر الربيع المقبل، ليمكن من ثم بيع نتائجها »التاريخية« للإدارة الأميركية الجديدة، بحيث يحصد جورج بوش ثمرة ما زرعه بيل كلينتون.. أو بالدقة: بحيث يمكن أن تُباع ثمار مقترحات كلينتون لوريثه المنافس جورج بوش.
خارج المعلومات الملكية فإن الكثير من القرائن تشير إلى أن للمفاوضات بحد ذاتها وظيفة حيوية وهي أن تُسقط »الحرم« عن »الحرام«، وأن تحوِّل »التنازل« الشكلي، إسرائيليا، والفعلي، فلسطينيا إلى انتصار تاريخي،
في هذا السياق ثمة من يطرح تساؤلات جدية عن الموقف الفعلي لسلطة عرفات من انتفاضة الأقصى، إذ يبدو واضحا أن السلطة تستخدم الانتفاضة ورقة ضغط من أجل استمرار التفاوض، وتغيِّب بوعي أي شعار سياسي مركزي عن النضال البطولي المكلف، كما تمنع قيام أو نشوء أو بروز قيادة ميدانية موحدة لهذه الانتفاضة تحولها إلى »ثورة« بأهداف تتوازى سمواً مع روح الشهادة واستعداد الفلسطينيين رجالاً ونساءً، فتية وشيوخاً للتضحية من أجل تحقيق حلم الحرية والسيادة وقيام الدولة المستقلة ولو على »بعض« فلسطين وبعاصمة هي بعض البعض من القدس الشرقية.
وفي هذا السياق أيضا ثمة معلومات دبلوماسية رصينة تشير إلى »تواطؤ ما« بين عرفات وباراك، موضوعه »الصوت الفلسطيني«، الذي وضعه خلو الساحة من منافس آخر غير شارون في موقف لا يحسد عليه… إذ بات »خياره« الوحيد أن يتوجه نحو »أهون الشرين«، أي إيهود باراك، سفاح الانتفاضة!
ولعل »أهون الشرين« هي القاعدة التي تحكم الموقف العربي، عموما، إن كان ثمة موقف موحد للعرب، في الانتخابات الإسرائيلية.
وهناك من يؤكد أن قوى كثيرة ستتلاقى على »إقناع« الفلسطينيين بضرورة التصويت لباراك حتى لا يصل شارون إلى سدة الحكم في إسرائيل فتكون الطامة الكبرى…
في هذا المجال يصر »مراقبون محايدون« على القول إن استطلاعات الرأي الإسرائيلية تظهر غالبا أن شارون يتقدم على باراك بحوالى 17 في المئة، وهي نسبة المقترعين الفلسطينيين من »عرب 48« إلى الإسرائيليين… وهكذا فإن الإلحاح على هذا الفارق له وظيفة ليست بسيطة هي: أن يحمَّل عرب فلسطين 1948 المسؤولية عن نجاح شارون، إذا ما نجح، على المستوى الدولي واستطرادا على المستوى العربي ومن ثم الفلسطيني، إذ سيقال غدا: لو اقترع الفلسطينيون لسفاح الانتفاضة باراك بكثافة لما نجح سفاح صبرا وشاتيلا أرييل شارون!
وفي تقدير هؤلاء »المراقبين المحايدين« أن هذه الخدعة تتجاوز تمكين باراك من توظيف الانتفاضة سياسيا لحسابه إلى حد وضع »عرب 48« في مواجهة »فلسطينيي السلطة«، فيحمَّلون هم المسؤولية عن تراجع الاحتمال المعقود على الانتفاضة في أن تدفع المفاوضات قدما بحيث تحقق الحد الأدنى من الأدنى من المطالب الفلسطينية، خصوصا بعدما انفتح باب الحُرم الإسرائيلي للحديث في القدس، ولو من حيث المبدأ، وفي المستوطنات ولو جزئيا، وفي السماح لأعداد معدودة من »مهجري 1948« بالعودة إلى أرضهم التي اقتلعوا منها، وتحت عنوان »لمّ الشمل«، بينما يترك لسلطة عرفات أن تحدد من »تسمح« بعودته إلى الأراضي التي »تحكمها« من لاجئي الشتات.
نعود إلى المعلومات الملكية الأردنية إذ تشير في بعض نقاطها إلى أن صدام حسين قد أمر فتم حشد فرقتين من الجيش العراقي فعلاً على الحدود المشتركة مع الأردن وسوريا، بذريعة دعم الانتفاضة، مع إطلاقه التهديد بأنه قادر على قصف إسرائيل لمدة ستة أشهر متواصلة.
تضيف المعلومات الملكية الأردنية أن الأميركيين طلبوا من عمان التدخل لإقناع بغداد بسحب الفرقتين قبل أن يقوموا »بسحقهما« حتى يمنعوا إسرائيل من اتخاذ الحشد العراقي (الذي لا يهدد إسرائيل بأي خطر) ذريعة للتدخل بضرب سوريا مما يفتح أبواب الجحيم في المنطقة مجددا. وقد قبل صدام حسين النصيحة فسحب الفرقتين، ثم عاد يوجه تهديداته بلسان ابنه في اتجاه الكويت.
* * *
بعد هذا الفيض من المعلومات والتقديرات والتحليلات، سألني محدثي:
أوتسأل بعد لماذا يبدو وكأن لبنان المقاوم أكثر حضورا وأعظم أثرا على القرار الإسرائيلي، حتى هذه اللحظة، من الانتفاضة المجيدة داخل الأرض المحتلة؟! لا عرب الخارج ساعدوا الانتفاضة بما يكفي لتكون »حرب استقلال« ولا قيادة الداخل تعاملت معها باعتبارها »الرافعة« الضرورية للارتفاع بالصراع من مستوى »الهبات« ذات الطابع العاطفي والمحكومة برد الفعل إلى مستوى »حركة مقاومة شعبية مسلحة« ضد الاحتلال ببرنامج واضح ومعلن وقيادة موثوقة، لإجباره على التسليم بالحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية؟
إن الفضيحة تتكرر مع كل انتخابات إسرائيلية، إذ ينكشف الوضع العربي عموما، ومن ضمنه الوضع الفلسطيني، فيبدو الجميع عاجزين عن استثمار »الصوت الفلسطيني« عجزهم عن استثمار الدم الفلسطيني… وهكذا لا يتبقى غير التنقل بين كامب ديفيد وطابا وإيلات وأمكنة أخرى (سرية) للتفاوض على »منثور« القضية المقدسة، ودائما من مدخل الأمن الإسرائيلي وليس من مدخل الحق الفلسطيني التاريخي.
لنأمل خيرا، والحال هذه، من اللقاء الذي دبر على عجل بين أمير قطر وشمعون بيريز في دافوس… وخصوصا أن هذا المسؤول العربي يحمل الآن صفة »رئيس المؤتمر الإسلامي« الذي فيه، وفيه فقط، أمكن اتخاذ القرار بإغلاق المكتب الإسرائيلي في الدوحة، بعدما تعذر تحقيق مثل هذا الإنجاز في القمة العربية الطارئة… دعما للانتفاضة!

Exit mobile version