طلال سلمان

صفقة باريس: “تذاكي” إسرائيلي لضمان رفض حماس

غزة ـ حلمي موسى

وفي اليوم التاسع عشر بعد المئة، وبرغم معاناتنا الهائلة وما نشهده من دمار، إلّا أنّ سطوة إسرائيل على المنطقة في تراجع مستمر، وشعبنا، بفضل صموده وتماسكه، سيدحر العدوان ويحقق آماله في الحرية والاستقلال والكرامة.

***

مساء أمس، خرج الناطق بلسان الخارجية القطرية بتصريح مقتضب جاء فيه أن “حماس” و”إسرائيل” ردتا بالإيجاب على مقترح تبادل الأسرى على مراحل الذي صاغته قمة باريس الاستخبارية.

وقبل أن يتردد صدى صوته، أو تغريدته، حتى انطلقت الاحتفالات في مناطق متفرقة من قطاع غزة، احتفاءً بإمكانيّة وقف إطلاق النار. وقد ساد انطباع مفاده بأن الإعلان عن التوصل إلى اتفاق بات قاب قوسين، بما يعني حكما انتهاء الحرب.

ومن البديهي أن يحمل خبر من هذا النوع فرحا كبيرا، حُرم منه طويلا شعب بقي وسط الدماء والنار والدمار لمدة أربعة أشهر كاملة تقريبا، وعاني من ظروف بالغة الصعوبة.

إلّا أنه تبيّن سريعا أن التصريح لم يكن دقيقا، في أقل توصيف، وكان متسرعا بحسب معلقين إسرائيليين، وشكّل نوعا من الحرج للوسيط القطري الذي سرعان ما أزال التغريدة عن موقعه وقام بتعديلها.

وبعدما أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري أن قطر حصلت على “موافقة مبدئية إيجابية” من حركة “حماس” على الخطوط العريضة لصفقة التبادل، تم في وقت لاحق حذف الرسالة واستبدالها برسالة جديدة توضح أن “حماس تسلمت اقتراح وقف إطلاق النار بأجواء إيجابية، وننتظر ردهم”.

وسرعان ما هدأت موجة التفاؤل وعاد الكلام ليتمحور حول “توقعات إيجابية” و “ردود إيجابية”، من دون أي تأكيد على قرب إعلان اتفاق.

وفور الإعلان القطري الأوّلي، أعلنت مصادر إسرائيلية أن الجانب القطري لم يطلعها على أي تحديثات بشأن موقف حماس. ونقل التلفزيون الإسرائيلي عن “مسؤول أمني إسرائيلي مطلع على التفاصيل” أنه برغم التقارير الواردة من قطر، إلّا أنّ وزارة الدفاع لم تتلق بعد أي إشارة إيجابية رسمية.

ويُعتقد في إسرائيل أن الإشارة ستصل إلى رئيس الموساد عبر رئيس الوزراء القطري الذي يتوجه الآن من واشنطن إلى الدوحة.

وقبل اجتماع كابينت الحرب الإسرائيلي مساء أمس المقرر لمناقشة خطة المراحل قبل عرضها على المجلس الوزاري السياسي الأمني الموسع. وقبل الاجتماع، كان رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو قد طمأن وزراءه المتطرفين بأن لديه “خطوطا حمراء” لن يتجاوزها، وكلها “خطوط” تتناقض مع فكرة أي تسوية يمكن أن تقبل بها “حماس”.

في المقابل، قامت “حماس”، وعلى لسان أسامة حمدان، بالتأكيد على غياب أي حديث عن التوصل إلى اتفاق، وعلى أن المفاوضات مازالت في بدايتها. كما أعلن مسؤولون فلسطينيون، على علاقة وثيقة مع “حماس”، أن الأخيرة أبلغتهم بأن اقتراح باريس مازال “قيد الدرس”.

إلى ذلك، نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أمس تقريرا عرض تفاصيل جديدة عن مسودة صفقة باريس، والتي تتناول ثلاث مراحل لإطلاق سراح المختطفين الإسرائيليين والمعتقلين الفلسطينيين.

وقالت مصادر مطلعة على المفاوضات لصحيفة “وول ستريت جورنال” إنه في المرحلة الأولى من الصفقة، سيُطلب من إسرائيل وقف إطلاق النار لمدة ستة أسابيع – وكذلك وقف نشاط الطائرات والطائرات بدون طيار في القطاع.

وخلال فترة وقف النار الإسرائيلي، تقوم “حماس” بجمع الإسرائيليين المحتجزين تمهيدا لإطلاق سراحهم. ووفقا للتقرير، فإن المرحلة الأولى تشمل إطلاق سراح الإسرائيليين الذين لم يبلغوا سن التجنيد – وبالتالي لا يمكن تعريفهم على أنهم “جنود”.

كما تشمل المرحلة الأولى إطلاق سراح المختطفين المسنين والأطفال والمرضى. وفي المقابل، تنص المرحلة الأولى على السماح لمواطني غزة بالتنقل بحرية في جميع أنحاء القطاع، وعلى إمكانية وصول المساعدات اللازمة كلّها إلى جميع المناطق.

وإذا نجح تطبيق المرحلة الأولى من الصفقة، ينتقل الطرفان إلى المرحلة الثانية، والتي تشمل إطلاق سراح جنود إسرائيليين من الأسر أيضًا – مقابل زيادة المساعدات الإنسانية للقطاع.

أمّا في المرحلة الثالثة، وبحسب الخطوط العريضة التي تم تقديمها في باريس، فتطلق حماس سراح المزيد من الجنود الإسرائيليين وجثث الرهائن. وتطالب حماس بأن تسلم إسرائيل جثث المسلحين الفلسطينيين الذين قتلوا خلال هجوم حماس في 7 أكتوبر.

وجاء في “وول ستريت جورنال” أنه من المتوقع أن تكون المرحلة الأخيرة من الصفقة هي الأصعب، لأنه يمكن لقادة حماس في غزة أن يحتفظوا بعدد من المختطفين في القطاع كورقة مساومة و”كدروع بشرية”. كما يمكن أن ترفض إسرائيل إطلاق سراح لأسرى الفلسطينيين الذين يعتبرون من ذوي “المكانة العالية” من معتقلاتها.

وبحسب الصحيفة، فقد أشار الجانبان إلى نقاط قصور في الخطوط العريضة، وأنه مازالت هناك قضايا محل خلاف تناقش في الاتصالات- بما في ذلك العلاقة بين إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين وبين إطلاق سراح المختطفين الإسرائيليين: فمطلب حماس هو إطلاق سراح 150 أسيراً مقابل كل جندي محتجز في غزة، فيما تريد إسرائيل إطلاق سراح جميع المختطفين في غزة. بالإضافة إلى ذلك، لم يتم بعد تحديد عدد الأسرى الفلسطينيين الذين سيتم إطلاق سراحهم مقابل المختطفين الإسرائيليين.

غير أن هذه التفاصيل كلها لا توازي على الإطلاق حجم الخلاف داخل الكيان حول عقد الصفقة.

ومعروف أن خطوط نتنياهو الحمراء تشمل عدم الانسحاب من غزة، وعدم الإفراج عن آلاف الأسرى الفلسطينيين، وإقصاء حماس عن إدارة شؤون غزة.

كما أن وزير الحرب يؤآف غالانت، ومعه قادة الجيش، يعتبرون أن “العملية العسكرية” لم تنته في غزة بعد، وأن صفقة التبادل والهدنة لن تغير شيئا من أهداف الحرب إذ أن “جيش العدو سيكون جاهزا لإتمام مهمته وخصوصا في رفح.”

بالإضافة إلى ذلك، فإن العنصر الإضافي الذي يعيق إسرائيل عن إبرام اتفاق هدنة هو طبيعة الصراعات داخل حكومة نتنياهو. وطبعا لا بد من الأخذ بالحسبان مستوى الضغط السياسي الأميركي المتزايد الداعي لإبرام الاتفاق. وتعتبر واشنطن أنه من الضروري التوصل لتفاهم مع إسرائيل حول “اليوم التالي” في غزة، وهي تضغط ربما منذ الأسبوع الأول للحرب من أجل ذلك لكنها حتى اليوم لم تفلح في إجبار نتنياهو على مناقشة الموضوع في الحكومة برغم إدراجه على جدول الأعمال مرات عدة.

ويكاد نتنياهو يخاف من اليمين الإسرائيلي المتطرف أكثر من أي شيء آخر. فهذا اليمين رباه ورعاه وأوصله إلى ما هو عليه ويعرف كيف يعاقبه. ويعد كل من سموتريتش وبن غفير اليوم أبطال اليمين اللذين لا يتورعان حتى عن الصدام مع الولايات المتحدة.

وقد هدّد بن غفير وسموتريتش بتفكيك الائتلاف إذا وافق نتنياهو على مقترحات تبادل أو هدنة تقلل من قدرات إسرائيل، أو تعيق جيشها عن “تحقيق الانتصار” على الفلسطينيين، ليس في غزة فحسب وإنما في الضفة الغربية أيضا.

وقد نظم بن غفير حملة ضد قبول مقترح باريس. وذكر التلفزيون الإسرائيلي أنه في ضوء الأنباء التي تتحدث عن تبلور صفقة التبادل وبعد التهديدات بحل الحكومة، بدأ الوزير بن غفير خطوة جديدة تمثلت بالتوجه إلى قاعدة “الليكود” في محاولة لزيادة المعارضة للصفقة.

وفي إطار الحملة، تم إرسال خمسة ملايين رسالة نصية قصيرة بعنوان “السنوار أطلق سراحه أيضا في صفقة شاليط”. وجاء في نص الرسالة: “قل لا لصفقة غير شرعية. وقع الآن”. وأرفقت الرسائل برابط للتوقيع على نوع من الالتماس ضد الصفقة.

Exit mobile version