طلال سلمان

صراع ديون على سلطة على هامش شرق اوسط واسع

لن تستطيع السلطة في لبنان، برؤوسها المتعددة، أن تعطي الكثير من وقتها واهتمامها لما »يرسم« لهذه المنطقة ومستقبلها، في القمم الدولية المتلاحقة التي يمكن اعتبار »الشرق الأوسط« موضوعها الأول والأهم والأعظم خطورة على شعوبه قبل حكوماته.
فالسلطة في لبنان غارقة في صراعاتها بما لا يبقي لها من الوقت ما يكفي للاهتمام »بالهزيمة الحزيرانية الكبرى« التي أعد مسرحها بإتقان شديد، بحيث تجيء »شاملة« و»مطلقة« تشطب العرب من الغد، بحيث تتبدى أمامها هزيمة حزيران 1967، ثم هزيمة حزيران 1982 بالاجتياح الإسرائيلي للبنان وطرد المقاومة الفلسطينية، على خطورتهما »مقدمات« للضربة القاضية التي يبدو أن لا مجال لتفاديها، في ظل العجز العربي الشامل عن الاعتراض فكيف بالرفض!
وها أن بعض السلطة الذي كان يأخذ على »شريكه الاضطراري« أنه ورّط البلاد في كمّ هائل من الديون قد يؤدي إلى استرهان إرادتها السياسية، فضلاً عن التسبب في أزمة اقتصادية خانقة لا مخرج منها، وبالتالي في استيلاد أزمة اجتماعية متفجرة، »يسرق« من »شريكه« سلاحه السحري لينحره به!
… وهكذا فإن بعض السلطة يفترض أنه الآن قد ضمن »التمديد« لنفسه من دون »شريكه«، ويكاد يهنئ نفسه بأنه قتل »خصمه« العنيد مرتين!
… وطالما أن سداد الدين مهمة مستحيلة فاستدن أكثر، ناشراً ذلك الجو المخادع الذي يقوم على أسطورة مفادها: طالما أنك تجد من يوفر لك المزيد من الديون، فهذا معناه أن »الثقة« بك متوفرة، بل وممتازة، على المستوى الدولي، كما على مستوى من بيدهم (أو لديهم) المال الفائض الذي لا يجد مجالات لتوظيفه.
إنها لمقايضة ممتازة بين نقطة إضافية أو نقطتين في فوائد الدين، وبين ولاية تصير ولايتين، وقد استخدم غيرك هذه المقايضة لولايات متعددة جعلته »ثابتاً« بين متحركين في عهدين على الأقل… وها هي الفرصة تلوح لأن يقلب »الأقوى« هذه المعادلة التي كانت تظهره »متحركاً« بينما شريكه الإجباري »ثابت« لا يحول ولا يزول؟!
أما مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الموسّع فهو أكبر من قدراتك وأوسع من أن تستطيع الإحاطة به، فاترك لمن بيدهم القرار أن يهتموا وأن يواجهوا، وما يقررونه يكون.
إن ثلاث قمم متوالية تضم الأقوى والأعظم قدرة والأغنى بين دول العالم، تحت الزعامة الأميركية التي تكاد تكون مطلقة، ستنعقد خلال الأسابيع القليلة المقبلة، لتقرر مستقبل هذا »الشرق« الذي عجزت قياداته الحاكمة عن حمايته.
ولسوف تتكرر وقائع مؤتمر الصلح في باريس، الذي انعقد في أعقاب الحرب العالمية الأولى لتوزيع غنائم الحرب على »الحلفاء«، في غيبة من العرب، الذين افترضوا أنفسهم »حلفاء« للمنتصرين على الإمبراطورية العثمانية التي كانت »تستعبدهم«، ففوجئوا بأن الغرب قد اعتبرهم قاصرين وغير جديرين بالاستقلال، وهكذا اقتسم البريطانيون والفرنسيون بلادهم، وفرضوا عليهم الكيانات الجديدة المبتدعة وفق مصالحهم، وفرضوا عليهم الوصاية حتى الحرب العالمية الثانية حيث تم الاستيلاد الكامل »لدولة إسرائيل«.
الفارق »الجوهري« أن بعض سلاطين العرب قد تمت دعوتهم، هذه المرة، ليكونوا شهود الزور على عقد الإذعان، الذي سيشطب العرب، كعرب، من الصيغة المبتدعة لهذه المنطقة، والذي سيمكن لإسرائيل »تذويب« فلسطين، بحماية الاحتلال الأميركي للعراق الذي باشر إنجازاته بإسقاط الهوية العربية »لبروسيا العرب«، عازلاً منطقة الخليج بقواعده العسكرية وبسيطرته المطلقة على مواردها الغنية (النفط والغاز) بالمنابع والاستخراج ووسائل النقل والأسواق وتحديد السعر المناسب، لأغراض هيمنته.
… وها هي حكومة شارون تكمل إخراج مسلسلها المثير الذي يحمل تسمية »خطة الفصل«، بينما هو في جوهره يستهدف تذويب فلسطين جميعاً، بالاتكاء على بعض »المساعدة« العربية الفعالة، فيشغل »الأقرب من العرب« بأمن غزة التي لن يخلي أية مستعمرة فيها، بينما تواصل مستعمراته نهش الضفة الغربية والقرارات الدولية وخريطة الطريق إلخ، بحيث لا يتبقى بعد حين ما يفاوض عليه.
طبعاً لن يجد ضمير الشعب الفلسطيني والمناضل العربي الفذّ مروان البرغوثي من يهتم بمصيره، خصوصاً أن العقوبة التي قضت بها عليه عدالة الديموقراطية الإسرائيلية طويلة بما يكفي لإرجاء الاهتمام إلى عصر لاحق.
… ولم يجد السلاطين فائضاً من الوقت يضيّعونه في الاستماع إلى أصغر أطفاله وهو يدلي بكلماته البسيطة التي لا يجرؤ أحدهم على سماعها لأنها تحكم عليهم بأقسى مما حكم الاحتلال الإسرائيلي على أبيه الذي اختار أسلوباً ديموقراطياً للنضال، ومشى على حافة الاتهام بالتفريط وهو يحاول »محاورة« عدوه بلغة حضارية يفترض أن يفهمها الغرب عموماً والأميركيون خصوصاً، الذين باتوا »الوكيل الحصري للديموقراطية« في العالم، فلم يحمل السلاح ولم يرتكب جريمة »قتل المدنيين« التي أدانتها القمة العربية الأخيرة استرضاء للإسرائيليين ومعهم إدارة بوش فخسرت المزيد من كرامتها من دون أن تنال رضا المعنيين الذين كلما جنوا تنازلاً مجانياً طالبوا بالمزيد، حتى وصلوا إلى شطب العرب تماماً واثقين من أنهم لن يجرؤوا على الاعتراض..
فبين هؤلاء العرب من هو مسترهن بموارده الهائلة المضيّعة على كل شيء إلا على ما يحقق له المنعة والقدرة على اتخاذ موقف يناسب مصالح شعبه.
وبينهم من هو مسترهن بفقره، ومن ثم بديونه، وبحاجته إلى مزيد من الديون، ليستبقي »الدولة« التي استولدت قيصرياً وخلافاً للطبيعة ولا تعيش إلا بالتنفس الصناعي أي بإرادة الأجنبي الذي استولدها.
وبينهم من هو مسترهن بقوته على شعبه الذي أضعفه أمام خصومه والطامعين فيه، بحيث أنه يهرب من خوفه إلى خوفه… ولا أمان!
* * *
إنه حزيران الواسع أو الموسّع أو الكبير بحيث تطاول هزيمته الشاملة كل العرب في مستقبلهم وليس في حاضرهم، وفي وجودهم ذاته وليس في مكانتهم… مثلاً!
لكن العرب في شغل شاغل عما يدبر لهم،
ولبنان يقدم المثل والمثال..

Exit mobile version