طلال سلمان

صديق الجميع الذي أحب وطنه حتى الفناء

لم يحزنني النعي. كان حزني العميق على ياسر عبد ربه سابقاً على خبر الوفاة الذي كنا نتوقعه، بل لعل محبيه كانوا يدعون له بسرعة الرحيل، تخفيفاً من ألمه وعذابه والمرض يستهلك جسده وروحه يوماً بعد يوم، بل ساعة بعد ساعة.
ومع أن ياسر عبد ربه لم يكن صحافياً كبيراً بمفاهيم الشهرة والثروة والانتشار، إلا أنه كان صديقاً كبيراً، مخلصاً أعظم الإخلاص لمن يعمل معهم ولهم، مضيافاً، ودوداً، صادقاً في جهده، وفياً لكل من عرف ولكل أصدقاء معارفه.
لقيته أول مرة في الكويت، وكلانا يحاول شق طريقه نحو تحقيق ذاته في الصحافة، وذلك في بداية الستينيات، حيث أعطى كثيراً وأخذ قليلاً… وحين قفلت عائداً إلى بيروت بعد شهور قليلة، ودعني قائلاً: لعلنا نلتقي مرة أخرى فنتكامل، عندك الكفاءة وتنقصك الشطارة
…. والتقينا، فعلاً، للمرة الثانية في ليبيا، وكان قد غدا معتمداً لمجلة الأسبوع العربي وكنت مراسلاً متجولاً لمجلة الصياد ومعها جريدة الأنوار … وكان بيته ملجأنا، يسحبنا إليه بالقوة، حيث تتلقانا السيدة أم عمار بابتسامتها اللطيفة وإيناسها الكاسر حاجز الغربة، ونحظى بصحبة أطفاله الذين كانوا يتزايدون ويكبرون وتكبر أحلامهم وهموم أبيهم..
ثم تلاقينا كثيراً في باريس، حيث كان استقر لردح من الزمن يعمل مع الراحل العزيز نبيل خوري في مجلة المستقبل ، ويصر على استضافة جميع الوافدين من أرض الحرب، وعلى القيام بالدليل هو الذي لا يعرف الفرنسية ولكنه يفهم ويجعل الجميع يفهمون ما يريده، ويرحبون به ويساعدونه.
… واستمر أبو عمار يناضل ضد زمنه، فأنشأ أربعة من الفرسان معظمهم يعمل في الصحافة… وهو أعطى الكثير من جهده للزميل وليد الحسيني في الكفاح العربي من بيروت ثم من دمشق التي استقر فيها وقد أتعبه الترحال.
وعبر رحلة العمر التي تعددت فيها المحطات ووجوه النجاح ظل ياسر عبد ربه صديقاً لكل زميل، سواء أكان يعرفه بشخصه أم باسمه أم عبر أصدقاء مشتركين… وظل بيته، مثل قلبه، مفتوحاً لكل الناس في طرابلس كما في باريس كما في دمشق التي يعتز بأنه ابنها البار وبأنها عاصمة الدنيا وقلب العروبة النابض فعلاً.
ياسر عبد ربه: سيحزن أصدقاؤك الكثر لأنهم فقدوا معك بيتاً مضيافاً وإنساناً ودوداً يحب الخير لكل الناس، ويحب وطنه كثيراً حتى الفناء فيه.
وداعاً أيها الصديق العزيز الذي خسرنا معه بعض حبنا للحياة.

Exit mobile version