طلال سلمان

صداقة العداء!

نشرت في جريدة “السفير” بتاريخ 23 حزيران 1974

استمرار في المصارحة الضرورية في هذه الظروف الدقيقة، لا بد من التأكيد على الحقائق الأساسية التالية:

أولاً – إن إسرائيل، وإسرائيل وحدها هي العدو الوطني (للبنان) والقومي (للعرب عموماً) والحضاري (لكل بشري، بوصفها قلعة للتمييز العنصري وحصناً للفاشستية وللنازية الجديدة).

ثانياً – إن الشعور بالعداء يجب أن يتجه إلى إسرائيل، وإلى إسرائيل بالذات، وسواء حكمها الصقور أم الحمائم، وسواء وقعت اتفاقاً لفصل القوات أم لم توقع. ولا يجوز أن ينشأ حول هذه البديهية أي التباس، كان نتجه بشعور العداء إلى الفلسطينيين، أو على العرب أثر كل اعتداء إسرائيلي.

من حقنا بالطبع أن نشعر بالمرارة إزاء تقصير الأنظمة العربية، وإزاء التخلي الذي قد نلمسه من بعض الحكام.

ومن حقنا بالطبع أن نلتقي مع المقاومة فنتصارح حول ما يجوز وما لا يجوز، وحول الممكن والمتعذر، وحول الظروف وطبيعة المرحلة والوضع الخاص الخ.

لكن المصارحة أو المراجعة النقدية، أو حتى المرارة نتيجة لتقصير الأشقاء شيء، والشعور بالعداء شيء آخر.

يظل العدو عدواً، خصوصاً، وإنه يؤكد – من جانبه – هذا العداء يومياً، ويعمقه كل ساعة بالمجازر التي يرتكبها، بدماء الأطفال، بعيونهم التي جمدها الرعب والكراهية.

ثالثاً – إن الشعور بالصداقة حيال الولايات المتحدة يجب أن يتناقض بطريقة إطرادية مع تزايد حدة العداء الإسرائيلي للبنان.

فهي ليست مساندة لإسرائيل فحسب، تزودها بوسائل الدمار والقتل، وإنما هي متواطئة معها – بالمعنى القانوني – : تطمئننا وتحرضها علينا، فنستكين وتضرب، ثم إذا هممنا بشكوى، مجرد شكوى ضد إسرائيل، التفتت إلينا واشنطن معاتبة لائمة ونعت الصداقة الغالية!

رابعاً – إن بوسع لبنان، هذه الحلقة الأضعف، أن يحول ضعفه إلى قوة غير محدودة في هذه الظروف بالذات..

فلا يمكن للتسوية أن تتم فصولاً إذا ما عارضها أو اعترض عليها أي طرف، ولو كان الأضعف. وبوسع لبنان أن يطمئن إلى أن “بصمته” لازمة وضرورية لوثائق التسوية فلا تصير شرعية إلا بها،

وبهذا المعنى تكتسب الغارات الإسرائيلية ومواقف التواطؤ الأميركي مدلولها الحقيقي: يضغطون على لبنان فيضغط على الفلسطينيين، فيضغط هؤلاء على العرب من أجل مزيد من التنازلات، وهكذا يصل عرب جنيف إلى جنيف – إذا وصلوا – في حالة لا تمت إلى حرب رمضان، ولا إلى ما قبلها بصلة.

وبهذا المعنى فإن الدعوة إلى صمود وطني لبنان ليست مناداة بالمستحيل، أو مطالبة بما هو فرق الطاقة، بل إنها تكاد تبدو الدعوة العاقلة الوحيدة في زحمة الأحداث المجنونة!

Exit mobile version