طلال سلمان

صحح يا فخامة رئيس

لم يصدّق اللبنانيون آذانهم وهم يسمعون ما ورد على لسان الرئيس الياس الهراوي في خطبته المرتجلة، بل المفتعلة، في دير مار أنطونيوس، في زحلة، أمس.
قال قائلهم: ليس هذا الياس الهراوي الذي نعرفه، أو كنا نعرفه حتى اليوم!
وتساءل بعضهم: ماذا أصاب الرجل؟! إنه لم يخرج عن طوره فقط، لقد خرج على أصول المخاطبة، بل ولعله قد خرج على موجبات موقعه ومسؤولياته كرئيس للبنانيين جميعاً!!
ولعل البعض قد وصل إلى حد القول إن »الرجل قد فقد أعصابه«، وأنه لا يعي خطورة ما يعلن، خصوصاً حين وصل إلى الادعاء انه هو »إيليا الذي أنقذ لبنان«.
.. ولكن، ما شأن بيروت بحماه؟! هل هو يهدّد بيروت وأهلها؟! وهل ثمة خطر يتهدّد بيروت، فعلاً، بما جعله يستذكر حماه ويعلن بحزم لم نألفه منه: »ولكن ليعلموا، لن نجعل من بيروت ولا من أي منطقة حماه ثانية يمكن أن يسيطر عليها الذين يريدون أن يخرجوا عن الدين والدولة؟!
إن مضمون الكلام الذي أطلقه الياس الهراوي يتجاوز »حملة الزواج المدني«، ويتجاوز بالتالي الرد على مواقف حادة أو ربما متشنجة صدرت عن بعض رجال الدين، ثم انه يطلق هذه التهديدات بعدما هدأت الحملة أو »هُدِّئت« حتى لا تنحرف في مؤداها في اتجاهات خطرة.
وإذا كان قسم لا يستهان به من اللبنانيين، لا سيما في أوساط الأحزاب العلمانية والمثقفين قد أيّدوا مشروع الرئيس الهراوي للزواج المدني، وقسم آخر توهّم أنه قد يفيد مدخلاً (ولو خلفياً) لإلغاء الطائفية السياسية، فإن ما قاله بالأمس قد أفقده هؤلاء المؤيدين من دون أن يكسبه خصومهم.
لقد خسر الياس الهراوي على الطرفين، وخسرت معه رئاسة الجمهورية، بل والجمهورية نفسها التي تعيش واحدة من ساعات القلق المصيرية في ظل التهديد بالصيغة الإسرائيلية للقرار 425، وهي صيغة تنسف القرار من أصله وتنقل مشكلة الاحتلال إلى »الداخل« بدل أن يكون أداة لإخراجه نهائياً من كامل التراب الوطني.
وبالتأكيد فإن الخطاب العصبي وغير المدروس قد تجاوز، في بعض مضامينه، ما هو معقول أو مقبول، ومن حق كثرة اللبنانيين أن تعتبره استفزازاً لمشاعرهم، وربما تحدياً غير مبرر،
حتى مقدرو شجاعة الياس الهراوي في ما اتخذه من قرارات تاريخية يرون انه قد ارتكب الخطيئة المميتة حين وضع نفسه في موضع من يهدد شعبه، او يتحداه.
ولا يتصل الأمر برجال الدين، فأولئك يملكون من »الاسلحة« ما يفيض عن حاجتهم للدفاع عن انفسهم ومواقعهم ومكانتهم في المجتمع، ولكنه يتصل بعموم اللبنانيين الذين لم يألفوا ان يسمعوا لغة الحرب من »بطل السلام الأهلي«، كما كانوا يرون في الياس الهراوي.
حتى الذين افترضوا عن حسن نية ان رئيس الجمهورية يعبر بكلماته الغاضبة والمرتجلة عن يأسه من احتمال التمديد الثاني لولايته، رأوا في موقفه هذا تلويحاً بابتزاز مفتوح للدولة سيستمر حتى آخر يوم من مدته الدستورية الممددة، مما يشكل خطراً جسيما ليس فقط على الوضع الاقتصادي، وهو مأزوم اصلا، بل على السلم الأهلي نفسه.
أما بيروت فلن تحمل هذا »التهديد« على محمل الجد، وسيفترض أهلها الذين احتضنوا الياس الهراوي وساندوه وقدروا له مواقفه الوطنية وصموده في الأيام الصعبة، انها »زلة لسان« وسيرددون في سرهم »ان الغرض مرض«، وان لكل رئيس هفوة او كبوة،
وسينتظرون ان يصحح الياس الهراوي خطأه بسرعة، وقبل ان يستغله العدو الإسرائيلي، فيحرك به دعاة الفتنة ليُشغل اللبنانيين بأنفسهم بدل ان يظل اهتمامهم منصباً على تحرير أرضهم وإعادة بناء بلادهم التي دمرتها الحروب الأهلية بمختلف اشكالها.
علماً بأن الإسرائيلي كان دائماً في موقع »البطولة« في تفجير هذه الحروب كما في استثمارها.
صحح يا فخامة الرئيس،
والرجوع عن الخطأ فضيلة كما تعرف، وكما تنصح غيرك ونأمل معك ان يأخذ الكل بهذه النصيحة.
وليكن عيد الصفح، وليس فقط عيد الفصح.

Exit mobile version