طلال سلمان

شهادات في يوم الشهداء!

فجأة انقلبت الجلسة من »مشاركة في تخليد ذكرى شهداء قانا« الى »محاسبة« على ما بعد الاستشهاد وصولا الى اليوم بحوادثه واحداثه والشهادات التي يقدمها عن الشعب وعن السلطة في لبنان في نيسان 1997.
قال بعض الضيوف ممن يعرفون لبنان جيدا:
ماذا تفعلون ببلادكم؟! ان جسد لبنان مثخن بالجراح النازفة! ان شهداء جددا يتساقطون الآن، ولكن بأيديكم بحيث تكاد تبهت صور شهداء الاجتياح الاسرائيلي؟! ماذا جرى لكم؟ لماذا تجدد حديث الانقسام؟! ولماذا استعرت فجأة كل هذه الخلافات الداخلية؟!
قال ضيف ثان: في لحظة تمنيت لو اننا لم نأت! اننا نوشك ان نخسر حلما جميلا! لقد اعطانا لبنان قانا نموذجا فذاً للشهادة التي تستنهض العالم وتعزز صمود الامم وتبني الاوطان. لكننا اليوم، وبعد عام من قانا نكاد نخاف على لبنان من نفسه.
قال ضيف ثالث: انا جديد على بلدكم. اعرفه بقلبي وأحبه من بعيد، وهو مصدر اعتزازي بمقاومته الباسلة للاحتلال كما بتمسكه بقيم الحرية، لكنني بعد ثلاثة ايام فيه اشعر بالخوف الشديد عليه! كنا نفترض ان عطر الشهادة قد طغى فغطى على حديث الطوائف والمذاهب، ففجعنا بأن الشهداء انفسهم يعاملون بطوائفهم او مذاهبهم، فكأنم يقتلون مرتين! ثم ان الطائفية تجتاح المواقع جميعا، حتى الجامعة الوطنية، والنقابات العمالية، وخلافات اهل السلطة تكاد تذهب بوهج الشهادة وبحيوية البلد وقدرته على اعادة صياغة غده وفق قدراته.
انفتح باب النقاش على مصراعيه، واستعيد شريط الاحداث التي جرت على امتداد العام الذي انقضى على »قانا 1996«.. وفوجئت بأحد ضيوفنا يقول:
كأنما الداخل اسفنجة تمتص النجاحات التي تحققت او تتحقق في الخارج! فقبل سنة كان اللبنانيون، ومعهم إخوتهم العرب، يتابعون بإعجاب الحركة النشطة لرئيس الحكومة رفيق الحريري والتي امتدت الى عواصم كانت صماء، غالبا، عندما يتصل الامر بالاعتداءات الاسرائيلية، كلندن…
قال ثان: وصورة لبنان الداخل بتضامنه واجتماع كلمته كانت غاية في الاشراق، اما اليوم فالشرخ في قمة السلطة، ولسنا ندري الى اي حد يعكس نفسه على القاعد، لكننا افتقدنا وحدة السطة حتى في الاحتفال بتخليد الشهداء!
قال الثالث: كيف تستطيع سلطة ان تنجح الى هذا الحد في الخارج، خصوصا اذا ما استذكرنا مؤتمر اصدقاء لبنان، ثم تسمح لأي طارئ ان يتسبب بفشلها داخليا؟! ما قيمة عميد اضافي في الجامعة، او استحداث نقابة لإلحاق الهزيمة بالاتحاد العمالي العام في بلد يكاد يكون بلا عمال وبلا نقابات بالمعنى الكبير للكلمة؟! كيف هذه السلطة القوية عالميا تخاف من انتخابات بلدية فتعطلها لجيل آخر او جيلين؟!
لم اكن املك منطقا متماسكا للدفاع عن السلطة المنقسمة على ذاتها، ولكنني بغير قصد وجدت نفسي انشئ مقارنة بين ما يجري في اسرائيل وما يجري في لبنان:
هناك حيث الخلافات الداخلية اعمق، بالعقيدة، واكثر حدة بالممارسة، يحرصون على الا تشوه صورة اسرائيل ابدا، ويوظفون الخلافات نفسها لتظهير صورة الديموقراطية في اسرائيل، وتماسك مجتمعها المركب صناعيا…
اما في لبنان فيحاول كل تجميل صورته ولو اساء الى البلاد، هو الديموقراطي والشعب دكتاتوري النزعة، هو العلماني والشعب هو الطائفي، هو نصير الطبقة العاملة والنقابيون اعداء لها، هو راعي العلم والعلماء، والاكاديميون ضد الجامعة. باختصار هو البداية والنهاية، ما فيه خيره هو الخير للبلاد وما لا يناسبه يضر بالشعب قطعا!!
رحم الله شهداء قانا،
وسلاما للشهداء الآتين!
طلال سلمان

Exit mobile version