طلال سلمان

شكوى إلى»شركائنا«المهانين

لسوف يغطي هدير الطيران الحربي الإسرائيلي، بمحركاته الأميركية، على صوت الرئيس الياس الهراوي، الذاهب بشكواه اليوم إلى مَن لا يستطيع نجدته، حتى لو أراد، لا سياسيù ولا ماليù ولا عسكريù على وجه الخصوص.
لكن التحرك ضروري، مع الوعي بمحدودية تأثيره، إذ قد يفيد في إعادة شيء من الروح إلى القرار 425، أو في تقصير أمد المحنة التي يعيشها اللبنانيون، لا سيما في جنوبهم الصامد، نتيجة لإصرار إسرائيل على حماية احتلالها أرضهم بأجسادهم فإن رفضوا فبجثثهم وبفراغ الموت واليباب والتهجير المنهجي والمعتمد كسياسة رسمية معتمدة.
لعل المهانة التي يستشعرها »المجتمع الدولي« كنتيجة للاذلال اليومي الذي تمارسه عليه إسرائيل المستقوية بالدعم الأميركي المفتوح، تستطيع التعبير عن نفسها ولو على شكل صرخة احتجاج قد تلجم اعتداءات مقبلة.
ولعل بعض المهرولين العرب يخففون، بالحرج إن لم يكن بالخجل، من اندفاعتهم المتهورة والرخيصة إلى اتفاقات إذعان مع إسرائيل التي لا تهتم بمداراتهم، أو بمجاملتهم، بل تزداد عنفù على »أشقائهم« وتظهر المزيد من الشراسة والدموية مؤكدة رأيها القديم فيهم: »هم لا يفهمون إلا لغة القوة، فاضربهم أكثر وأعنف تأخذ أكثر وأسرع«.
… خصوصù وقد بدأ الشارع العربي المغيَّب والمشلول يستعيد شيئù من روحه ويعبّر عن شيء من الغضب المزدوج: ازاء حكّامه بداية، باعتبارهم أداة إذلاله، ثم ازاء إسرائيل. ومن صنعاء اليمن إلى عمان الأردن، إلى القاهرة المكلومة الكرامة، بقواها السياسية ومراجعها الدينية، وفي الطليعة منها بابا الأقباط الانبا شنودة وشيخ الأزهر، إلى طرابلس ليبيا، وإلى أنحاء متفرقة من الوطن العربي ومن المغتربات والمنافي العربية بدأت تصدر دعوات شجاعة لإعادة النظر، وحتى إلغاء كل ما كان من اتفاقات ذلّ مع إسرائيل.
ومع أن ذلك كله قد لا يغيّر اليوم شيئù، إلا أنه ينعش الوعد بمستقبل مختلف.
كذلك فقد يساعد الرئيس الهراوي أنه يطلق استغاثته من فوق منبر الأمم المتحدة، بينما ثلاثة من وزراء الخارجية لدول كبرى (روسيا وإيطاليا وفرنسا) يمسحون آثار الاهانات المباشرة التي وجهتها إليهم إسرائيل بتحريض مباشر من راعيها وحاميها الأميركي.
فقبل أن يغادر الوزير الروسي بريماكوف تل أبيب كان ثمة من يصفه بأنه »وقح«، بينما كان الوزير الفرنسي دو شاريت يعاني من فظاظة باراك ومن الرغبة الإسرائيلية المعلنة في »طرده« من الملعب، أما وزيرة خارجية إيطاليا (رئيسة الاتحاد الأوروبي) فلم تتورع عن اتهام السلطة الإسرائيلية بأنها كذبت عليها..
إن المناخ مؤاتٍ لسماع شكوى لبنان كما لم يكن منذ عهد بعيد،
ويمكن أن نسمع أصواتù أخرى غير التي ألفناها من المجموعة العربية ومجموعة عدم الانحياز، وكلاهما فقدت الكثير من اعتبارها ومن قدرتها على التأثير،
فالصوت الأوروبي أقل انحيازù اليوم مما كان، ومعظم أوروبا لا تقبل حرب الإبادة الإسرائيلية الجارية في لبنان، خصوصù وهي الآن مطمئنة إلى التفوق الكاسح لإسرائيل على مجموع العرب، وتعرف أن الخطر الجدي الوحيد الذي يتهدد إسرائيل إنما يصدر من الداخل، الداخل الفلسطيني والداخل الإسرائيلي ذاته، وليس من الخارج.
وربما كان قرار الرئيس الهراوي بطرح الصوت على »المجتمع الدولي« هو بين أسباب تسعير النار الإسرائيلية، أمس، والمرشح لأن تمتد حرائقها وتتسع دائرتها، مع استمرار »التعثر« في الصياغة الأميركية الجديدة للنسخة الجديدة من »تفاهم تموز« الذي أنتجوه المرة الأولى بنصف الجنوب ويريدون إنتاجه مرة ثانية الآن بمقومات لبنان، كله، كدولة وكشعب.
الشكوى عاقر، لا تنتج حلولاً،
لكن الصمت مقبرة الجبناء والعجزة،
والياس الهراوي يذهب باسم الصمود، ومن أجله، فالوجع لا يقلّل من شرف المقاومة، وإن كان يبلور مسؤولية الجاني الإسرائيلي وحاميه الأميركي.
وأقسى الساعات هي التي تستبق الاتفاق على وقف النار، ولكنها ضريبة ضرورية حتى لا يتحول الحريق المحدود إلى كارثة وطنية تذهب بالمستقبل كما بالحاضر المثقل بالأحزان والدماء والخراب وسائر آثار الأقدام الهمجية الإسرائيلية.

Exit mobile version