طلال سلمان

شكرا سفير فيلتمان

لم يكتف سعادة السفير الاميركي في بيروت، السيد جيفري فيلتمان برده الاول على ما نشرته جريدة السفير حول سعي الادارة الاميركية الى إقامة نوع من التحالف الاستراتيجي مع هذا الوطن الصغير وجيشه الفقير الى الامكانات والقدرات القتالية، بل انه أصر على رد ثانٍ، مكتوب هذه المرة، يفند فيه المزاعم والادعاءات ويكشف ما كان مخفياً من الوقائع والحقائق!!
وإنه لمن دواعي غرورنا المهني في السفير ان تضطر السفارة الاميركية في بيروت الى الرد مرتين على خبر نشرناه ثم أكده أكثر من مسؤول كبير في الادارة الاميركية، ابرزهم وكيل وزارة الدفاع الذي زار لبنان والتقى عدداً من كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين، وأجرى مقابلة تلفزيونية شاءت المصادفات ان تدحض كل ما قاله سعادة السفير، شفهياً ثم خطياً في رده المنشور في هذا العدد.
اما الرد الاول فقد جاء غاضباً… ولان الغضب يأخذ الى التهور فقد أساء سعادة السفير الى مضيفه، حضرة المطران مطر، والى الصحافة اللبنانية عموماً، التي وصفها بأنها أشبه بمهرج الملك، مهمتها ان تضحكه وتسري عنه بمداعباتها الصباحية التي تنسيه همومه اللبنانية..
اما الرد الثاني فيستحق سعادة السفير الشكر العميم عليه، فهو قد كشف لنا فيه مجموعة من الأسرار العسكرية التي لم يكن يعرفها أحد في لبنان، عن قواعد قائمة فوق أرضه منذ ما يزيد عن ثلاثين عاماً… ومع ذلك لم يعرف بها سفير قبله، أو ملحق عسكري، او حتى مكاري او مهرب مازوت ، ولم تلتقط لها الأقمار الصناعية متعددة الجنسيات ولا طائرات التجسس الاميركية او الاسرائيلية، لا فرق، او الام. كا التي بات اطفال لبنان يعتبرونها الغول المعاصر، اية صورة، ولم تذكرها نشرات الاخبار المتلفزة، ولا تصريحات القيادة التاريخية لنواطير الثلج الذين يترصدون قوافل الطيور المهاجرة والعصافير والنحل والنمل التي تجرؤ على اجتياز الحدود الشمالية او الشرقية المحرمة دولياً!
كذلك فإن سعادة السفير يستحق شكراً ثانياً، لأنه نبهنا الى ما كنا نرغب في نسيانه، وهو ان المساعدات العسكرية الاميركية الى لبنان كانت الى ما قبل الحرب الاسرائيلية في تموز الماضي صفراً ، ثم بفضل تلك الحرب التي اطالت امدها الادارة الاميركية اكثر مما ترغب بها حكومة اولمرت ففضحتها. تزايدت حتى بلغت ربع المليار دولار ثم انها ستتزايد حتى تفوق نصف المليار سنوياً.
أما الشكر الثالث فيستحقه سعادة السفير، لأنه لا يفتأ يستذكر شهداء الجيش في المواجهة التي فرضت عليه مع عصابة فتح الاسلام في نهر البارد، بل انه قد بالغ في استذكارهم حتى توهمنا ان له بينهم أقارب او له مع بعضهم صلة رحم… هذا في حين تناسى سعادته تماماً وأغفل ذكر شهداء الجيش (نفسه) ممن اغتالتهم الطائرات الحربية الاسرائيلية، اميركية الصنع، والمزودة بقذائف اميركية (ذكية!!) وهم نيام في ثكناتهم وخيامهم في الفترة بين 12 تموز و13 آب .2006
في اي حال، ومع تقديرنا لان يكون السفير فيلتمان قد صرف هذا الجهد كله على رد على السفير فإننا نكتفي منه بقول سعادته ان اقامة قواعد اميركية في لبنان ليست في مصلحتنا، وبالتأكيد ليست في مصلحة اللبنانيين .
ولن نسأل سعادته لماذا سكتت دولته عن تلك القواعد التي اشار إليها في رده، والقائمة في قوسايا وفي الناعمة ، على امتداد الثلاثين سنة الماضية، ثم انتبهت إليها الآن، والآن فقط؟!
كذلك لن نسأله لماذا زادت دولته المساعدات للجيش اللبناني من بضع مئات من الآلاف سنويا الى اكثر من 270 مليون دولار في العام ,2007 ومن صفر الى ما يزيد على سبعين مليون دولار لقوى الأمن في العام ,2007 ايضاً؟!
ولكننا نود أن نسأله: اذا كانت دولته فخورة بالمساهمة في الدفاع عن لبنان الى هذا الحد، لماذا لم تمتنع عن وقف الحرب الاسرائيلية عليه قبل خمسة عشر شهراً، بل ولماذا اجبرت حكومة اولمرت على اطالة امد تلك الحرب وتوسيع نطاقها حتى دمرت اسباب العمران في لبنان، إضافة الى ما أسقطته من شهداء وجرحى بينهم الاطفال والنساء والشيوخ، بغير ان ننسى المجازر الجماعية، ومن ضمنها تلك التي اجبرت وزيرة الخارجية كونداليسا رايس على الغاء زيارتها للبنان وكانت ستجيء من اسرائيل بناء على طلب المسؤولين اللبنانيين؟!
مرة اخرى نشكر السفير الأميركي الذي يمضي معنا أواخر ايام مهمته في لبنان، ونتمنى له النجاح حيث سيذهب، بعد بيروت، مع الرجاء بألا يلحق بالبلد الجديد الذي سيذهب إليه مثل ما حل بلبنان على ايامه..
ونشكره بشكل خاص على تأكيده ان بلاده لا تنوي اقامة قواعد عسكرية في لبنان، فهذا بالضبط ما كنا نريد سماعه منه، بعد كل الزيارات العسكرية وكل ذلك الكلام العلني عن تحالف استراتيجي بين الذئب والخروف.
ولعل الشعب اللبناني يعرف طريقه الى وحدته والى تدعيم جيشه الوطني بغير حاجة الى نصائح كالتي سمعناها من سعادة السفير الاميركي جزيل الاحترام.
وإن سعادته هو القاعدة الأميركية الأهم في لبنان.

Exit mobile version