طلال سلمان

شكراً “عهد” لسنا امواتاً بعد

كأننا قد متنا أكثر من مرة. كأن ما حولنا يموت كل يوم.

بئر بلا ماء هو بلادنا. ليس لأحد أن يتحدث عنا غداً.

غدنا، مات مراراً. غدا، لا غد لنا…

يحدث أن نصاب بضوء. يحدث أن تشع علينا عهد التميمي. تصير الحكاية. نثقب العتمة، نرى أمامنا مدى مديداً، ولا نرى المقبرة. من مات قلبه لا يرى بعينيه، عهد التميمي ردت لنا قلوبنا. صرنا نرى الماضي وقد مضى، والآن وقد فات، والغد هو الموعد.

لنفرح كثيراً. لقد رُزِقنا عهد التميمي. ولادةً متكررة. فلسطين ليست عاقراً. قادرة على إنجاب الآلهة الذين يتنكبون الجلجلة والقيامة.

لماضي فلسطين، أوقات عصية على الموت. ها هي، بعد فصول الموت العربي، ورياح الدم الذي هو دمنا دائماً، ها هي تتبرأ منا، وتنتمي إلى المخاض. الخطيئة أمنا، كعرب بائدة. فلسطين، كالبكر على موعد مع ولادة أخرى لفلسطين. ولادة بالحرية.

لعهد التميمي، ومن يتشبه بها، وهم نسل لا ينضب، فضيلة الانتماء إلى الاصل، والأصل فلسطين. الانظمة أنقاض. الافكار ركام. العقائد هياكل فارغة. الجيوش تحارب الجيوش، وهي تشبه بعضها بعضاً. تقلِّد القتل المجاني. الطائفيون، المذهبيون، الاحزاب، الحركات، الجبهات، السفة، يملأون المستنقع العربي موتاً ونتانة.

لعهد التميمي حروف عادية ومتواضعة. ترجمتها بسيطة بلا تعقيد. لا سلام مع الاحتلال. بما ملكت يداها تصفع، وبما ملكت قدماها تمشي…هي، ومن يشبهها، تعلموا الابجدية. لا مساومة مع الاحتلال: “إما نحن، وإما نحن فقط”. القدس لنا، وليست لهم ولنا. فلسطين كذلك. العودة إلى الاصول هنا، اصولية قومية ووطنية وانسانية. القديسون منا. قبلتهم أمامهم، وليست في حدثني فلان عن فلان.

كفى!

لا يسأل الفلسطيني هذا، الا عمن يشبهه. كان العرب ذات عقود، فلسطينيين جداً، ثما اضاعوا الاتجاه. فضلوا السلطة على التحرير. اختاروا الدين ملجأ ومغارة. أحبوا الحياة كيفما كانت. بكرامة او بلا كرامة. بحرية أم من دونها، وغالباً من دونها. راهنوا على المحاور كبورصات مفلسة. انتسبوا إلى شرق والى غرب فلا فازوا هنا ولقد خسروا كل شيء.

العرب، حالة يرثى لها. نعيق غربان وحروب سود وثقافة الخاسرين، وتقليد من “يأخذ امي اسميه عمي”. انظروا إلى هذا الركام من الدول. دولة دولة. تمعنوا بأرقام شعوبها. فوق الثلاث ماية مليون. يساوون العدم. أحصوا اموالها ونفطها ورمالها. بددٌ بددٌ. ليسوا شيئاً. انهم احياء اخطأتهم المقابر، ولكنهم اليها ماضون.

عهد التميمي أمثولة. مطلع قصيدة للشابي. “إذا الشعب اراد”. وسيريد الشعب، غداً، بعد غد، وتحديداً بعد تقليده، عهد التميمي، في فلسطين واخواتها.

ليس تمجيداً لعهد التميمي. لقد انجزت فعلها بجدارة وشجاعة. كانت اقوى من الاحتلال. سجنها وما لوت عنقاً. ظلَّت طليقة وحرة وهي في الاسر. حاكمتهم وما حاكموها. ارادوا أن لا تكون قدوة. ها هم في الضفة وغزة وعلى الجدار الفاصل، يكتبون غدهم بقبضاتهم، و”طائراتهم الورقية” الخطيرة. تخاف اسرائيل عهد التميمي، ومن تتشبه بهم ومن يتشبه بها. اسرائيل، لم تعد تخشى الاعاريب، انها تخشى فقط من يقاومها، قولاً وفعلاً ودائماً. والاعاريب، يخشون عهد التميمي، وكل من على صراطها يقاوم.

عهد التميمي، أعادت الينا الثقة بفلسطين. دلتنا على الخطر الحقيقي ودروس مواجهته. ها هي فلسطين على مرمى صفعة وركلة. فلتكن “عهد” الايقونة، ليس لتقديسها شفيعة، بل لأنها تدلنا على القبضة، وترشدنا إلى الزناد، وتطمئننا على أن شعباً مثلها، لن يعرف المنافي في ما بعد.

شكراً عهد.

 

 

Exit mobile version