طلال سلمان

شركة خماسية اعلام دولة

الاعلام حر في الجمهورية اللبنانية ذات النظام الديموقراطي البرلماني، لكن ملكية وسائله »مؤممة«،
والتأميم هنا عكسي: بدل أن تكون الملكية عامة، أو مفتوحة للجميع، فالملكية خاصة جدù، وهي محصورة بأعضاء النادي الذهبي للأغنياء والنافذين الذين يشكلون في ما بينهم »الشركة الخماسية« للإعلام!
وبالمصادفة القدرية فإن هذه »الشركة الخماسية« ذاتها هي التي تمسك بزمام الحكم ومقدرات البلاد وأرزاق العباد.
بالمصادفة القدرية أيضù فإن أعضاء هذه العصبة الذهبية ليسوا الآن »إعلاميين« ولم يكونوا كذلك في أي يوم، بالمعنى المهني، ولكنهم يعتمدون »المذهب السعودي« الرائج بل السائد الآن: امتلك الوسيلة كامتياز خاص واستأجر مَن يديرها ومَن يشغّلها ومَن ينتج لها البرامج… فما أكثر طالبي العمل وما أكثر الساعين لتحسين مداخيلهم عن طريق اتقان الحرفة أو عن طريق احتراف النفاق… بإتقان!
* * *
أخطر ما كشفته أزمة الاعلام، الجديدة، افتقاد المرجعية في البلاد.
لقد تبيّن أن »الشركة الخماسية« قادرة على إلغاء المجلس النيابي، حصن الديموقراطية الحصين، كما على إلغاء الحكومة كائتلاف سياسي مفترض بين شروط قيامه وتوليه المسؤولية أن يكون معبرù وممثلاً لأوسع قاعدة شعبية ممكنة من المؤمنين بالدولة، أصلاً، وبجمهورية الطائف كصيغة وفاقية معتمدة… أقله حتى إشعار آخر.
فأما الحكومة فقد تماسكت خلف رئيسها، صاحب المشروع،
وأما المجلس فقد انفرط عقده على الفور: اختفت »المؤسسة« الحصن، وبرز، كالعادة، تياران محددان تنضوي في أولهما أقلية معارضة ومعترضة تضم النخبة من البرلمانيين وأصحاب الرأي والموقف، بينما تنصاع أكثرية التصويت برفع الأيدي لقرار أصحاب القرار، بغضّ النظر عن مضمونه، وعن مدى توافقه أو تعارضه مع التقاليد الديموقراطية لهذا البلد متنوع الأمزجة والحساسيات والذي تشكل الحريات العامة فيه شرط وجود.
التصويت برفع الأيدي في مجلس الوزراء لا يعني أكثر من وضع اليد الواحدة على الحكومة وقراراتها مع الوعي الكامل بأنها »مصنوعة« ومفصلة خصيصù على مقاس صاحب الحصة العظمى في »الشركة الخماسية«.
والتصويت (غدù كما بالأمس) برفع الأيدي في مجلس النواب لا يعني أكثر من المصادقة على القرار بتمليك الاعلام العام للشركة الخماسية لأصحابها أصحاب الدولة أو أصحاب صاحب الدولة.
فتواطؤ الحكّام يلغي المؤسسات،
وتحكّم رأس المال بالقرار يلغي الدولة،
وهكذا لا يبقى غير الشارع المقفل من طرفيه، والذي يحجز صوت الاعتراض أو حتى الوجع بدل أن يطلقه ليتردد صداه في مختلف الأمكنة كدعوة للتصحيح ووقف الانهيار والتردي وخطر اصطدام الجمهورية بجمهورها.
* * *
لا مرجع ولا مرجعية، لا مؤسسة ممتلئة عافية ومؤهلة لمنع الانحراف بحكم المسؤولية الوطنية أو القانون أو حتى حقوق الانسان.
وحدها »الشركة الخماسية« تخطط وتنفذ، تدرس وتقرّر، ثم تنصّب نفسها في موقع الحَكَم لتحكم بصوابية حُكْم الحُكْم في تأميم الاعلام لمصلحة المال الحاكم أو المتحكّم لا فرق.
ولأن الاعلام قد بات من الصناعات الثقيلة (بكلفتها) فهو قد صُنِّف من الأسلحة الثقيلة التي لا يجوز أن يمتلكها إلا… أصحاب الدولة!
وأصحاب الدولة يتزايدون نفوذù وثراءً وسطوة ووجاهة، في حين أن الدولة التي كانت قيد التأسيس، والتي اعتبرها محمد حسنين هيكل »قيد التأثيث« إلى اندثار.
أما أثاثها العتيد فيسجل كملكية خاصة للشركة الخماسية إياها.

Exit mobile version