طلال سلمان

شركاء اعداء في »العهد« واحد

عشية كل انتخاب رئاسي (أو تمديد، باعتباره انتخاباً بالصوت المرجح!) تمتلئ أعمدة الصحف وشاشات التلفزيونات الأرضية والفضائيات، بغبار المعارك بل الحروب الضروس بين جماعة »القائم بالأمر« وجماعة »قم لأقعد مكانك… بالأمر أيضا«.
تنهال الاتهامات على المنتهية ولايته بأنه قد أفسد الإدارة حتى نخاعها الشوكي، وأنه قد عطّل المؤسسات فجعلها شكلية، وأنه قد تسبّب بتهريب المستثمرين واستثماراتهم التي كانت ستجعلنا أغنى من سنغافورة، وأنه قد تجاوز صلاحياته فلم يترك أمراً إلا وتدخل فيه..
بالمقابل فإن المنتهية ولايته يعتمد الخطة التقليدية الخالدة: أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم… وهكذا يطلق مدفعية التشهير ضد شركائه الذين يحوّلهم اختلاف المصالح إلى أعداء، فيتهمهم بخراب الذمة وتخريب ذمم الآخرين، ويدعي أنهم هم الذين كبّلوا يديه فمنعوه من أن ينجز ما كان يعتزم إنجازه، وعطلوا خطته الفذة للإصلاح التي كانت ستطيح رؤوسهم ومن معهم..
الطريف أن الناس يصدقون الطرفين… فالناس، بالغريزة، أعداء لمن ولّي الأحكام، هذا إن عدل، فكيف واليقين مستقر أن ليس ثمة »عادل« بين من حكم، وأن ليس ثمة »بريء« بين هؤلاء الذين تسبّبوا في تعطيل النمو، وفي إفساد الحياة السياسية، وفي إنهاك لبنان بالديون، وفي تشريد الشباب اللبناني المؤهل في أربع رياح الأرض.
أخطر ما في الأمر أن المنتهية ولايته يشكو النقص في الصلاحيات، وبالتحديد قيود اتفاق الطائف، التي جعلت رئيس الجمهورية »متقدماً بين متساوين«، وحفظت له كرامة الرمز من دون أن تطلق يده في القرار.
بالمقابل فإن شركاءه الذين يتحوّلون، مع النهاية، إلى خصوم يبالغون في اتهاماتهم له بتجاوز صلاحياته فيحكمون عليه بأنه قد تجاوز اتفاق الطائف، أو أنه قد عطله أو تجاهله أو حقّره حتى كاد يصير أثراً بعد عين.
وهكذا يتحوّل الصراع السياسي إلى جدل فقهي.
لكن الفضائح لا تعالج بالفقه..
ثم إن الناس ينظرون إلى »الطاقم الحاكم« بوصفه مجموعة من الشركاء، لا تخفف إدانة واحد منهم من مسؤولية الآخرين: فمن لم »يلطش« الكهرباء بلع النفط، ومن لم يقامر بالكازينو (فربح) قامر بالهاتف الخلوي (فربح أكثر) ومن لم يصبه نصيب من خيرات »بنك المدينة« نال تعويضاً مجزياً من تعهدات مشاريع إعادة الإعمار (طرقات وجسور ومنجزات المجالس المتخصصة جهوياً أو فئوياً أو إغاثة وإعاشة ونجدة للملهوف).
ليس »العهد« فرداً واحداً، إنه »مجموع« من شارك في السلطة والقرار، فتسلط أو تسلطن وقرّر أو عطل قرار غيره. فالتعطيل أيضاً قرار.
من ظلم فهو مسؤول، ومن لم يمنع الظلم فهو شريك في المسؤولية. من قرّر مسؤول، ومن سكت عن الغلط مسؤول.
وهكذا مع توالي الأيام والصراعات حول التمديد أو التجديد أو اختيار رئيس جديد، تدين الطبقة السياسية الحاكمة نفسها بلسانها: فالناس يحكمون على النتائج الكارثية، أي على واقع حياتهم الآن في دولة الخراب هذه التي يكاد ينعدم فيها الصح، والتي يضيق فيها الرزق، والتي يتعاظم فيها الدين، والتي يسود فيها الظلام، والتي يزداد أهلها فقراً بينما تتزايد ثروات أهل الحكم وسيداته وأبنائهم وأبنائهن مع كل شمس حتى كاد بعضها يتجاوز أي تقدير.
لكأنما يُراد أن تنتهي »الدولة« مع نهاية »العهد«.
والدولة ليست رجلاً، ولو كان رئيساً… وليست ملكاً شخصياً لهذه الطبقة السياسية التي يشهر بعضها ببعض على مدار الساعة، ويدفعون اللبنانيين إلى اليأس المطلق.
فالعهد الجديد لن يجيء إلا من رحم هذا القائم بالأمر، أي هذه الطبقة ذاتها والعياذ بالله!
ولعل هذا هو أهم مصادر اليأس من الغد أيضاً!

Exit mobile version