طلال سلمان

سياج مكهرب عنصرية

بينما ترفع إسرائيل راياتها فوق »الشرق الأوسط الجديد« وكأنها قد أتمّت اجتياحها وصارت منه وفيه وبموقع »السيد«، فإنها مضطرة لتوكيد غربتها عنه وخوفها من الانتساب إلى هذه المنطقة، طالما ظلت بهويتها العنصرية الفاقعة.
وأكثر ما تنفضح هجانة إسرائيل وغربتها وعدائيتها ومخاوفها في داخل الأرض الفلسطينية المحتلة!
فمع كل فجر جديد تؤكد فلسطين حضورها بما يفضح طبيعة »الدخيل« و»الأجنبي« و»الغريب« في إسرائيل والإسرائيليين،
في الماضي كانت إسرائيل تؤكد نفسها بنفي وجود فلسطين أرضù وشعبù، مستشهدة بأن التاريخ لم يسجل في أي يوم وجود دولة فلسطينية،
ثم اضطرت إسرائيل لأن تعترف بالفلسطيني، ولكن من دون أرضه: الأرض لها وهو خارجها أو يجب أن يكون،
وتوالت الابتكارات ووجوه التحايل وفنون الخداع للفصل بين الفلسطيني وفلسطينه: فصلت رأس المنظمة عن جسدها، واقتطعت غزة من فلسطين لتجعلها »وطنù بديلاً«، ولو على شكل سجن كبير، يتولى حراسته الثوار القدامى، وقسّمت الفلسطينيين أصنافù وأنواعù وأشتاتù: فيهم رعايا سلطة الحكم الذاتي المحكومة إسرائيليù، وفيهم »الإسرائيلي« هوية وفيهم »الأردني« هوية وفيهم »اللاجئ« من دون هوية، وفيهم »أبناء المناطق« المنكورة عليهم حتى الهوية الأردنية، أما أبناء القدس فتركتهم »أقلية« بجنسية قيد الدرس في »عاصمتها الأبدية«.
اعترفت ببعض الفلسطينيين، ثم بشعب فلسطيني ما، ودائمù من دون أرضه، ومن دون الحق بكيان سياسي… وحين أقرَّت لذلك البعض بحكم ذاتي ألزمته بأن يكتفي من السلطة بالشرطة ومنعته من انتخاب ممثليه المفترَض أن يتولوا »حكمه«… ولو باسمها.
فاوضته على تجزئة الانسحاب، ثم على إرجاء الانسحاب، ثم طوت موضوع الانسحاب، وفي هذا الوقت كانت المستوطنات تنمو وتتوسّع سرطانيù لتلتهم ما تبقى من أراضٍ »للفلسطينيين« في الضفة الغربية، وتنهش القدس العربية فتجعلها مجرد »غيتو« مهمل ومحاصر، بيوته القديمة آيلة للسقوط، ومَن يخرج منه لا يعود إليه أبدù، ومَن خارجه ممنوع حتى من الصلاة في المسجد الأقصى!
ثم بعد ذلك كله لم تسحب عسكرها، فصار على أهالي الضفة أن يتحمَّلوا احتلالين إسرائيليين معù، في حين سحب موضوع القدس العربية من التداول السياسي وإن احتدم النزاع بين النظام الأردني وعرفات على الولاية الدينية على الأماكن المقدسة فيها.
الآن ها هي تقيم السياج المكهرب بينها وبين فلسطين المشلَّعة، وتعتمد سياسة الفصل الكامل بين »إسرائيل« وبين »المناطق« مكرِّسة بذلك اعترافها بالهوية الفلسطينية التي لا بد أن تجسّد نفسها في كيان سياسي ما، ولو بعد حين..
أي أنها مضطرة اليوم لأن تميِّز كيانها عن الفلسطينيين، ولأن تطهِّره منهم، فتصبح وكأنها هي تحت حصارهم، بعدما كانوا دائمù تحت رحمة احتلالها.. ولم يخفِّف من وطأة مشكلتها أنها تستعين على الفلسطينيين بصاحب التوقيع الفلسطيني.
لقد طالما غذت من قبل »العنصرية« الفلسطينية لتستعديهم بها على سائر العرب، وها هي الآن مضطرة لأن تحمي عنصريتها من عنصرية الفلسطينيين ولو بأسلاك مكهربة!
اللافت أنه بينما يقرّ الإسرائيلي أن الفلسطيني هو »غيره« قطعù، وأنه ما زال في رأس قائمة أعدائه، وأنه لا يريده في »بلاده« ويعزله ويحمي نفسه منه بالسياج المكهرب، تصرّ القيادة الفلسطينية على أنها أقرب إلى إسرائيل منها إلى شعبها، وترفع في وجه قرارها العنصري ذي الواجهة السياسية مطالب نقابية، ثم تطمئنها بتوكيد التحالف مع النظام الأردني عبرها ومعها ضد إرادة الرفض التي يعبِّر عنها الفلسطينيون بدمائهم ويوميù، وفي كل شبر من الأرض الفلسطينية على اختلاف مواقيت احتلالها.
ألا يستوقفك هذا المشهد الفلسطيني:
»القيادة« تسيّج نفسها بشرطة مستقدمة على عجل، ومزروعة في غزة وكأنها »الفرقة الأجنبية« لحماية الحاكم المفروض من غضب »شعبه«،
والاحتلال الإسرائيلي يسيِّج نفسه بتلك السلطة الشرطة في غزة وبجيشه اللجب ومخابراته وحرس الحدود ثم بسور مكهرب على امتداد الضفة الغربية، ليحمي نفسه من الغضب ذاته،
ثم يتحدث الجميع عن »السلام« وتذهب تهمة الارهاب إلى هذا الفلسطيني الذي فجَّر نفسه فوق أرضه ليبقى فيها وحتى لا ينفصل عنها؟!
يا سلام على السلام الإسرائيلي!
* * *
بين صنعاء وجدة: فتِّش عن واشنطن
مَن يسعى إلى إشعال الحرب بين اليمن والسعودية؟
المشكلات كثيرة وجدية ومزمنة، وكانت السعودية القوية والغنية ترفض مفاوضة اليمن الضعيف والممزق والفقير حتى الاملاق.
الآن وقد تماسك اليمن، وتعزّزت قوته العسكرية بطوابير الدبابات وأسراب الطائرات الحربية التي موّلتها السعودية لتقوِّي بها »جيش الجنوب« وتستخدمه لإنهاك »الشمال« بما يريحها من اليمنيين جميعù، ها هو يلتفت إلى المملكة التي طالما اضطهدته ليحاول استعادة ما تيسَّر من »حقوقه المغتصبة« في الأرض والثروة والمصالح والدور السياسي،
السؤال دائمù عن واشنطن وأين تقف في هذا الصراع بين حليفها الملكي التاريخي الذي استنزفته في ماله وفي هيبته، وبين حليفها الجديد (اليمن الجمهوري) الذي رعت وحدته ومنعت تقسيمه ولعلها تشجعه الآن على المطالبة بحقه المهدور.
هل باتت الحروب الداخلية أقصر الطرق لحماية المصالح الأميركية؟!

Exit mobile version