طلال سلمان

سنة متشحة حزن

تطل علينا مع شمس هذا اليوم السنة الثانية والثلاثون لصدور »السفير« متشحة بالحزن والقلق العميق، »مبشرة« بدخول البلاد مرحلة جديدة من مراحل امتناع النهاية عن الانتهاء.
ولقد جاء اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري إيذاناً بسقوط الحصن الأخير، وهكذا انفتحت أبواب المجهول على مصاريعها، لا بالنسبة للحكم بل للبنان كله، خصوصاً وقد استولدت الجريمة ما يشبه »الانشقاق الشعبي« من حول مسائل مصيرية، كان يفترض انه قد تمت تسويتها باتفاق الطائف، فإذا بها تطل برأسها من قلب العاصفة، متحاشية التصادم مع ذلك الاتفاق، أقله في هذه اللحظة وقبل ان تتم لها السيطرة على زمام.. المستقبل.
لكأنه كان اغتيالاً لما كان تبقى من الدولة،
وها هو »التدخل الاجنبي« يصبح صاحب القرار في ادق الشؤون الداخلية، بدءاً من الحكومة والمؤسسات عامة، وصولاً إلى الانتخابات النيابية بموعدها وحق الإشراف عليها وضبط نتائجها، تمهيداً لقيام »العهد الجديد«.
لقد تداخل الاعتراض الشعبي على السلطة المقصرة الى حد الادانة والرغبة بالتغيير بمجمل التحولات التي تشهدها المنطقة، فانتفى الطابع المحلي عن أي مسألة، وصار أي تطور يرتبط حكماً بمجمل التداعيات التي تشهدها المنطقة بتأثير الاحتلال الاميركي للعراق ومحاولاته تحصين وجوده بشق العراقيين وبعثرتهم أعراقا وطوائف ومذاهب وعناصر بما يضطرهم للاحتكام إليه كمرجع »منقذ« من مخاطر الحرب الاهلية… هذا فضلاً عن الطور الجديد للاحتلال الاسرائيلي لفلسطين بتوسعه المعلن والذي لم يعد يجد بين الدول العربية من يعترض عليه جديا.
وتخطئ المعارضات المؤتلفة في لبنان إذا هي اعتبرت أنها تحقق هذا التغيير وحدها ولحسابها… فكل الشعب اللبناني معارض ومعترض على هذا النهج الخاطئ للسلطة، وكله مع محاسبتها، خصوصاً ان جريمة اغتيال رفيق الحريري قد حسمت التردد وأنهت الحيرة.
لقد سقطت السلطة في الشارع…
لكن البديل منها، ومن التدخل السوري في الشؤون الداخلية، ليس ان ترسم لنا الادارة الاميركية خطواتنا الى ما يخدم مصالحها، وأن يقرر لنا دافيد ساترفيلد بالأمر اليومي الحركة التالية لكي نحظى بشهادة حسن سلوك في الإيمان بالديموقراطية.
ان استشهاد رفيق الحريري حافز إضافي من أجل توطيد استقلال لبنان. لكن »الاستقلال« المنشود ليس عن سوريا للالتحاق بالادارة الاميركية، و»السيادة« لا تتحقق بتنفيذ ما يقرره لنا هذا الدبلوماسي الاميركي الذي لم يأت ليناقش بل لينفذ خطة من الأرجح ان عنوانها كان القرار 1559، وقد منحها »التمديد« الوجاهة الكافية لتغدو مدخلاً الى التحرر المزعوم.
في زمن الصعوبة الذي سيمتد طويلاً لا تجد »السفير« ما تقوله الا ان تجدد العهد لقرائها بأن تبقى ما كانته دائماً: »جريدة لبنان في الوطني العربي، جريدة الوطن العربي في لبنان« و»صوت الذين لا صوت لهم«.
حمى الله لبنان.

Exit mobile version