طلال سلمان

سنة بحروب كثيرة

عبرت الأعياد سماء لبنان والمشرق العربي، مع نهاية العام 2006، من دون ان ينتبه اليها الاهالي المحاصرون بالحرب، كما في العراق تحت الاحتلال الاميركي، او فلسطين تحت الاحتلال الاسرائيلي، او بالخوف من الحرب كما في هذا الوطن الصغير الذي اثبتت التجارب انه بنظامه الطوائفي ولادة حروب لا بداياتها قابلة للنسيان ولا نهاياتها في مدى البصر او حتى البصيرة.
… وها ان اللبنانيين، اليوم، يعيشون في قلب القلق على المصير، بعدما انهارت الدولة وتم تعطيل المؤسسات الدستورية جميعا، فلم يتبق غير الشارع الذي بات شوارع مفتوحة للمواجهة، بعدما اكتملت التعبئة، بكل انواع الأسلحة المبيدة للإنسانية، أي الطائفية والمذهبية وما يتفرع منهما نزولا!
لقد سقط مجد الانتصار في الحرب الاسرائيلية على لبنان بالضربة الطائفية القاضية… ويمكن ان يقال ان تلك الحرب الوحشية التي استهدفت الانسان وأسباب العمران في لبنان كانت بالقياس أخف أذى على الوحدة الوطنية، وعلى آمال الناس وأحلامهم من هذا المناخ الطوائفي والمذهبي الذي تشترك في نشره وتغذيته دول عظمى ودول كبرى، وقوى عربية نافذة لتصفية حسابات متراكمة يختلط فيها الدين بالنفط والتاريخ بالأسطورة والجغرافيا بمصالح الآخرين القادرين على كتابة المصائر اليوم وغداً.
وقد يكون ظالما الربط المطلق بين الوضع المأزوم الذي يعيشه اللبنانيون اليوم وبين فشل تلك الحرب الاسرائيلية على لبنان، نتيجة الصمود العظيم لشعبه ولو فوق ركام بيوته، ونتيجة البطولات العظيمة التي سجلها مجاهدو المقاومة في مواجهاتهم الخارقة التي استولدت آمالا جديدة في إمكان وضع نقطة نهاية لعصر الهزيمة التي تظلل دنيانا مشرقاً ومغرباً.
لكن واقع الحال، بكل الازمات التي استولدت على عجل، وبمناخ الفتنة التي وجدت من يوقظها وقد كانت نائمة، ثم بالمواقف الدولية والعربية التي فرضت على اللبنانيين حصاراً أقسى، في ضغوطه النفسية والعملية، من زمن الحرب الاسرائيلية، كل ذلك يشهد بأن ثمة قراراً مهيباً بإغراق صفحة المقاومة المجيدة في طوفان من الفتن والصراعات المنذرة بحروب أهلية لا تنتهي.
???
لم تعد إسرائيل العدو القومي للعرب . لم تعد مصدر الخطر الأكيد على حاضرهم ومستقبلهم. صارت دولة اقليمية كبرى و شريكا رئيسيا لسائر أهل هذا الاقليم. لقد صالحها الكبار من اهل الحكمة وبعد النظر… وصارت المقاومة عدوانا على جار قوي معزز بكل قوى الأرض، وبالتالي فهي فعل مغامرة، وهي خرق للقانون الدولي وتهديد للأمن والاستقرار في مركز الثروة التي يحتاجها العالم المتمدن ليسرع عملية التقدم فيه… لذلك، استنفر مجلس الأمن الدولي نفسه، وتنافس اعضاؤه الدائمون على صياغة القرارات التأديبية اللازمة، في حين كان ممثلو الدول العربية يتوافدون الى بيروت عبر مطار عمان وبأذون اسرائيلية معلنة، ليتكأكأوا من حول الحكومة متضامنين ضد المقاومة ومغامرتها التي قد تفسد كل ما بني منذ زيارة القدس وحتى اليوم…
وكان لا بد ان تنعكس هذه المواقف جميعاً على البلد البلا داخل فتشقه وتقسم ابناءه بين مؤيد ومحايد ومعترض…
وكان لا بد من الاستعانة ببعض عوامل الاثارة، واللجوء الى ترسانة الخلافات النائمة او المرجأة، او تلك التي استولدتها الحالة الثأرية التي نجمت عن جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وهي حالة وجدت من يستثمرها ويصنع لها شعاراتها وأهدافها وقواها التي تجهر بالعداء لسوريا ونظامها ولكنها تقاتل فعليا المقاومة في لبنان، آخذة عليها تحالفها مع القيادة السورية ومع ايران، وكأن هذا التحالف قد تم سراً وأخفي عن الآخرين فلم يعرفوا به الا اليوم.
وهكذا فتحت جبهة المحكمة الدولية للمحاسبة الداخلية فعجلت في تحرر من كان يضيق ذرعاً بالتحالف الانتخابي الاضطراري، ثم اشتدت الحملة لإحراج الحلفاء السابقين والشركاء القسريين في الحكومة تمهيدا لإخراجهم، في ظل تأييد دولي غير مسبوق، خرج معه الرئيس الاميركي ورجال ادارته وحتى نساؤها عن طورهم، فكرسوا خطابهم اليومي لتأييد الحكومة البتراء في لبنان بل الفخر برئيسها موفرين بذلك الغطاء الضروري للمسؤولين العرب لكي ينهوا فترة التأييد اللفظي الكاذب للمقاومة ومجاهديها والانتقال الى الحديث عن إخلالها بالتوازنات الدقيقة في لبنان، ومن ثم في فسيفساء هذه المنطقة التي رسمت دولها على عجل!
???
… واستحضر العراق الجريح والمثقل بالاحتلال الاميركي الذي أمده التحريض العربي الرسمي بالسلاح الاعظم فتكا وهو الفتنة، وهكذا أغرق العراقيون بدمائهم. وتم تشويه مقاومته بتطئيفها، تمهيداً لتحويلها الى حرب أهلية لا تبقي ولا تذر.
وهكذا بات سهلاً إلقاء المسؤولية على ايران واتهامها بأنها تحرض شيعة العراق وهم الأعرق عروبة فيه للانفصال بدولة من دون بل وعلى حساب سنته، وهم ابناء عمومتهم وأصهارهم وأبناء خؤولتهم وشركاء الماضي والحاضر والمستقبل والمصير.
وبالاستطراد بات ممكنا دفع حماس بالارتباط بالخارج (الايراني) للطعن في صدق وطنيتها وصدق جهادها من اجل التحرير، مما يبرر لرئيس السلطة التي لا سلطة لها ان يقدم المزيد من التنازلات للعدو الاسرائيلي، بذريعة استنقاذ ما يمكن إنقاذه من فلسطين حتى لا يذهب به التطرف و التبعية .
لقد لجأ النظام العربي الى أقذر ما في جعبته من اسلحة: الطائفية حيث الانقسام بين الأديان، والمذهبية حيث ينقسم الموحدون في الدين وفي القضية الوطنية وفي العروبة الى اتباع لمذاهب كلها من الاسلام في الصميم.
وليست مبالغة ان يقال ان العديد من الأنظمة العربية يخوض بعض معاركه الداخلية في لبنان وعبره، فهو يستطيع ان يصور هزيمة المقاومة في لبنان انتصاراً لطائفته على طائفة اخرى… اما اسرائيل فليست مواجهتها اليوم الا سعياً مرتجلاً الى هزيمة جديدة، ومن يندفع في طريق الخطر هذا متآمر على العرب أجمعين!
???
يطل علينا العام الجديد، 2007، والعرب بعمومهم، ومنهم اللبنانيون، يمهرون عجزهم عن مواجهة مسؤولياتهم الوطنية بدمائهم المهدورة في معارك داخلية تقارب حافة الحروب الأهلية.
إن المشرق العربي يتهاوى جميعاً تحت ضغط الخارج وعجز الداخل، فيتجدد النقاش حول الهوية والدور، وبالاستطراد حول كياناته السياسية الهشة بطبيعة استيلادها على عجل ولأسباب تتصل بمصالح من استولدها وليس أهلها.
من لبنان الى فلسطين الى العراق، وما جاورها من أقطار وبالعكس، يعيش المشرق العربي حالة اضطراب دموي شديد،
لكأنما فقد العرب ليس فقط الطريق الى مستقبلهم، بل كذلك وعيهم بهويتهم وبانتمائهم الى ارضهم وبوحدة مصيرهم، نتيجة ضياعهم السياسي المريع، وافتقارهم الى قيادة راشدة.
اندفع كل منهم وقد أخذه الرعب بعيداً عن حقائق حياته، يطلب الامان لنفسه ولو على حساب الآخرين، كل الآخرين، ويطلبه من عدوه ، عدو حاضره ومستقبله، ويبرر تنازله للأجنبي بالضرورات التي تبيح المحظورات… والأجنبي هنا، وحتى إشعار آخر، هو الأميركي بالدرجة الأولى، ومن ضمنه الغرب عموماً والاسرائيلي بطبيعة الحال.
لقد أطلت السنة المنصرمة على العرب عموماً ولبنان خصوصاً، من باب الحرب، وها هي تغادرنا ومنطقتنا جميعاً تحترق في اتون حروب كثيرة بعضها معلن يلتهم البشر والمؤسسات والموارد والأمل، وبعضها الآخر يتقدم نحونا، او انها تجد من يستدرجها بذرائع كثيرة،
وفي لبنان تكاد أعمارنا تضيع في حروب تفصل بينها حروب، فلا تكاد تنتهي حرب مدبرة حتى يشعل الاجنبي او العدو بالتواطؤ مع بعض أهل الغفلة او بعض من اعمتهم السلطة او بعض من خرج من جلده ومن تاريخه، حربا جديدة ونخسر مع حاضرنا مستقبلنا.
ومن أسف ان السنة التي غادرتنا للتو لم تترك لنا الكثير من الأمل في السنة المقبلة علينا، الا ان يتغلب الوعي والايمان بالوطن وبالذات على عوامل الفرقة فيكون النصر، ويكون لنا الغد. والشعب خلاق دائماً، والشعب هو من يصنع التاريخ.

Exit mobile version